عن الإسلام ﴿ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِىَ نَفَقًا ﴾ [الأنعام : ٣٥] منفذاً تنفيذ فيه إلى ما تحت الأرض حتى تطلع لهم آية يؤمنون بها ﴿ فِى الارْضِ ﴾ [السجدة : ١٠] صفة لـ ﴿ نَفَقًا ﴾ ﴿ أَوْ سُلَّمًا فِى السَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُم ﴾ [الأنعام : ٣٥] منها ﴿ بِـاَايَةٍ ﴾ فافعل، وهو جواب ﴿ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ ﴾ [الأنعام : ٣٥] و ﴿ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [الرحمن : ٣٣] وجوابها جواب ﴿ وَإِن كَانَ كَبُرَ ﴾ [الأنعام : ٣٥] والمعنى إنك لا تستطيع ذلك، والمراد بيان حرصه على إسلام قومه وأنه لو استطاع أن يأتيهم بآية من تحت الأرض أو من فوق السماء لأتى بها رجاء إيمانهم ﴿ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى ﴾ [الأنعام : ٣٥] لجعلهم بحيث يختارون الهدى، ولكن لما علم أنهم يختارون الكفر لم
١٦
يشأ أن يجمعهم على ذلك كذا قاله الشيخ أبو منصور رحمه الله ﴿ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَـاهِلِينَ ﴾ [الأنعام : ٣٥] من الذين يجهلون ذلك.
ثم أخبر أن حرصه على هدايتهم لا ينفع لعدم سمعهم كالموتى بقوله :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٣
﴿ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ﴾ [الأنعام : ٣٦] أي إنما يجيب دعاءك الذين يسمعون دعاءك بقلوبهم ﴿ وَالْمَوْتَى ﴾ مبتدأ إي الكفار ﴿ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ [الأنعام : ٣٦] فحينئذ يسمعون وأما قبل ذلك فلا ﴿ وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ ﴾ [الأنعام : ٣٧] هلا أنزل عليه ﴿ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ ﴾ [يونس : ٢٠] كما نقترح من جعل الصفا ذهباً وتوسيع أرض مكة وتفجير الإنهار خلالها ﴿ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلَ ءَايَةً ﴾ [الأنعام : ٣٧] كما اقترحوا ﴿ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأنعام : ٣٧] إن الله قادر على أن ينزل تلك الآية، أو لا يعلمون ما عليهم في الآية من البلاء لو أنزلت ﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ ﴾ [الأنعام : ٣٨] هي اسم لما يدب وتقع على المذكر والمؤنث ﴿ فِى الارْضِ ﴾ [السجدة : ١٠] في موضع جر صفة لـ ﴿ دَآبَّةٍ ﴾ ﴿ وَلا طَـائرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ ﴾ [الأنعام : ٣٨] قيد الطيران بالجناحين لنفي المجاز لأن غير الطائر قد يقال فيه طار إذا أسرع ﴿ إِلا أُمَمٌ أَمْثَـالُكُمْ ﴾ [
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧
الأنعام : ٣٨] في الخلق والموت والبعث والاحتياج إلى مدبر يدبر أمرها ﴿ مَّا فَرَّطْنَا ﴾ [الأنعام : ٣٨] ما تركنا ﴿ فِى الْكِتَـابِ ﴾ [مريم : ٤١] في اللوح المحفوظ ﴿ مِن شَىْءٍ ﴾ [الذاريات : ٤٢] من ذلك لم نكتبه ولم نثبت ما وجب أن يثبت، أو الكتاب القرآن.
وقوله ﴿ مِن شَىْءٍ ﴾ [الذاريات : ٤٢] أي من شيء يحتاجون إليه فهو مشتمل على ما تعبدنا به عبارة وإشارة ودلالة واقتضاء ﴿ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنعام : ٣٨] يعني الأمم كلها من الدواب والطيور فينصف بعضها من بعض كما روي أنه يأخذ للجماء من القرناء ثم يقول : كوني تراباً.
وإنما قال ﴿ إِلا أُمَمٌ ﴾ [الأنعام : ٣٨] مع إفراد الدابة والطائر لمعنى الاستغراق فيهما.
١٧
ولما ذكر من خلائقه وآثار قدرته ما يشهد لربوبيته وينادي على عظمته قال ﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِـاَايَـاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم ﴾ [الأنعام : ٣٩] لا يسمعون كلام المنبه ﴿ وَبُكْمٌ ﴾ لا ينطقون بالحق خابطون ﴿ فِى ﴾ أي ظلمة الجهل والحيرة والكفر، غافلون عن تأمل ذلك والتفكر فيه.
﴿ بِـاَايَـاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ ﴾ [الأنعام : ٣٩] خبر ﴿ الَّذِينَ ﴾ ودخول الواو لا يمنع من ذلك، و ﴿ فِى الظُّلُمَـاتِ ﴾ [الأنبياء : ٨٧] خبر آخر.
ثم قال إيذاناً بأنه فعال لما يريد ﴿ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ ﴾ أي يشأ الله ضلاله يضلله ﴿ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [الأنعام : ٣٩] وفيه دلالة خلق الأفعال وإرادة المعاصي ونفي الأصلح.