﴿ قُلْ ﴾ وبتليين الهمزة : مدني، وبتركه : علي، ومعناه هل علمتم أن الأمر كما يقال لكم فأخبروني بما عندكم، والضمير الثاني لا محل له من الإعراب والباء ضمير الفاعل ومتعلق الاستخبار محذوف تقديره أرأيتكم ﴿ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـاـاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ ﴾ [الأنعام : ٤٠] من تدعون.
ثم بكتهم بقوله ﴿ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ ﴾ [الأنعام : ٤٠] أي أتخصون آلهتكم بالدعوة فيما هو عادتكم إذا أصابكم ضر أم تدعون الله دونها ﴿ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ ﴾ [البقرة : ٢٣] في أن الأصنام آلهة فادعوها لتخلصكم ﴿ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ ﴾ [الأنعام : ٤١] بل تخصونه بالدعاء دون الآلهة ﴿ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ ﴾ [الأنعام : ٤١] أي ما تدعونه إلى كشفه ﴿ إِن شَآءَ ﴾ [يوسف : ٩٩] إن أراد أن يتفضل عليكم ﴿ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام : ٤١] وتتركون آلهتكم، أو لا تذكرون آلهتكم في ذلك الوقت لأن أذهانكم مغمورة بذكر الله وحده إذ هو القادر على كشف الضر دون غيره، ويجوز أن يتعلق الاستخبار بقوله ﴿ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ ﴾ [الأنعام : ٤٠] كأنه قيل : أرأيتكم أغير اللّه تدعون إن أتاكم عذاب اللّه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ ﴾ [الأنعام : ٤٢] رسلاً فالمفعول محذوف فكذبوهم ﴿ فَأَخَذْنَـاهُم بِالْبَأْسَآءِ وَالضَّرَّآءِ ﴾ [الأنعام : ٤٢] بالبؤس والضر، والأول القحط والجوع والثاني المرض ونقصان الأنفس والأموال ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ﴾ [الأنعام : ٤٢] يتذللون ويتخشعون لربهم ويتوبون
١٨
عن ذنوبهم فالنفوس تتخشع عند نزول الشدائد.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٨
﴿ فَلَوْلا إِذْ جَآءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا ﴾ [الأنعام : ٤٣] أي هلا تضرعوا بالتوبة ومعناه نفي التضرع كأنه قيل : يتضرعوا إذ جاءهم بأسنا ولكنه جاء بـ " لولا " ليفيد أنه لم يكن لهم عذر في ترك التضرع إلا عنادهم ﴿ وَلَـاكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [الأنعام : ٤٣] فلم يزجروا بما ابتلوا به ﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَـانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام : ٤٣] وصاروا معجبين بأعمالهم التي زينها الشيطان لهم ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾ [الأنعام : ٤٤] من البأساء والضراء أي تركوا الاتعاظ به ولم يزجرهم ﴿ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَىْءٍ ﴾ من الصحة والسعة وصنوف النعمة ﴿ فَتَحْنَا ﴾ شامي ﴿ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَآ أُوتُوا ﴾ [الأنعام : ٤٤] من الخير والنعمة ﴿ أَخَذْنَـاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام : ٤٤] آيسون متحسرون وأصله الإطراق حزناً لما أصابه أو ندماً على مافاته و " إذا " للمفاجأة ﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ [الأنعام : ٤٥] أي أهلكوا عن آخرهم ولم يترك منهم أحد ﴿ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَـالَمِينَ ﴾ إيذان بوجوب الحمد لله عند هلاك الظلمة وأنه من أجل النعم وأجزل القسم، أو احمدوا الله على إهلاك من لم يحمد الله.
ثم دل على قدرته وتوحيده بقوله ﴿ قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَـارَكُمْ ﴾ بأن أصمكم وأعماكم ﴿ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم ﴾ [الأنعام : ٤٦] فسلب العقول والتمييز ﴿ مَّنْ إِلَـاهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِهِ ﴾ [الأنعام : ٤٦] بما أخذ وختم عليه.
﴿ مِنْ ﴾ رفع بالابتداء و ﴿ إِلَـاهٍ ﴾ خبره و ﴿ غَيْرِ ﴾ صفة لـ ﴿ إِلَـاهٍ ﴾ وكذا ﴿ يَأْتِيَكُمُ ﴾ والجملة في موضع مفعولي ﴿ أَرَءَيْتُمْ ﴾ وجواب الشرط محذوف ﴿ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ﴾ [الأنعام : ٤٦] لهم ﴿ الايَـاتِ ﴾ نكررها ﴿ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ ﴾ [الأنعام : ٤٦] يعرضون عن الآيات بعد ظهورها، والصدوف الإعراض عن الشيء
١٩