﴿ قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـاـاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً ﴾ بأن لم تظهر أماراته ﴿ أَوْ جَهْرَةً ﴾ [الأنعام : ٤٧] بأن ظهرت أماراته.
وعن الحسن : ليلاً أو نهاراً ﴿ هَلْ يُهْلَكُ إِلا الْقَوْمُ الظَّـالِمُونَ ﴾ [الأنعام : ٤٧]ما يهلك هلاك تعذيب وسخط إلا الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بربهم ﴿ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ﴾ بالجنان والنيران للمؤمنين والكفار، ولن نرسلهم ليقترح عليهم الآيات بعد وضوح أمرهم بالبراهين القاطعة والأدلة الساطعة ﴿ فَمَنْ ءَامَنَ وَأَصْلَحَ ﴾ [الأنعام : ٤٨] أي داوم على إيمانه ﴿ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة : ٣٨] فلا خوف يعقوب.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٨
﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِـاَايَـاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ ﴾ جعل العذاب ماساً كأنه حي يفعل بهم ما يريد من الآلام ﴿ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ [البقرة : ٥٩] بسبب فسقهم وخروجهم عن طاعة الله تعالى بالكفر ﴿ قُل لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَآ ـاِنُ اللَّهِ ﴾ [الأنعام : ٥٠] أي قسمه بين الخلق وأرزاقه، ومحل ﴿ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ﴾ [الأنعام : ٥٠] النصب عطفاً على محل ﴿ عِندِى خَزَآ ـاِنُ اللَّهِ ﴾ [الأنعام : ٥٠] لأنه من جملة المقول كأنه قال : لا أقول لكم هذا القول ولا هذا القول ﴿ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّى مَلَكٌ ﴾ [الأنعام : ٥٠] أي لا أدعي ما يستبعد في العقول أن يكون لبشر من ملك خزائن الله وعلم الغيب ودعوى الملكية، وإنما أدعي ما كان لكثير من البشر وهو النبوة ﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَىَّ ﴾ [الأنعام : ٥٠] أي ما أخبركم إلا بما أنزل الله علي ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الاعْمَى وَالْبَصِيرُ ﴾ [الأنعام : ٥٠] مثل للضال والمهتدي، أو لمن اتبع ما يوحى إليه ومن لم يتبع، أو لمن يدعي المستقيم وهو النبوة والمحال وهو الإلهية ﴿ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام : ٥٠] فلا تكونوا ضالين أشباه العميان أو فتعلموا أني ما ادعيت ما لا يليق بالبشر، أو فتعلموا أن اتباع ما يوحى إلى مما لا بد لي منه،
٢٠
﴿ وَأَنذِرْ بِهِ ﴾ [الأنعام : ٥١] بما يوحى ﴿ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ ﴾ [الأنعام : ٥١] هم المسلمون المقرّون بالبعث إلا أنهم مفرطون في العمل فينذرهم بما أوحي إليه، أو أهل الكتاب لأنهم مقرون بالبعث ﴿ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِىٌّ وَلا شَفِيعٌ ﴾ [الأنعام : ٥١] في موضع الحال من ﴿ يُحْشَرُوا ﴾ أي يخافون أن نحشروا غير منصورين و لا مشفوعاً لهم ﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [البقرة : ١٨٧] يدخلون في زمرة أهل التقوى.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٨
ولما أمر النبي عليه السلام بإنذار غير المتقين ليتقوا، أمر بعد ذلك بتقريب المتقين ونهى عن طردهم بقوله :﴿ وَالْعَشِىِّ ﴾ وأثنى عليهم بأنهم يواصلون دعاء ربهم أي عبادته ويواظبون عليها.
والمراد بذكر الغداة والعشي الدوام، أو معناه يصلون صلاة الصبح والعصر أو الصلوات الخمس.
شامي.
ووسمهم بالإخلاص في عبادتهم بقوله ﴿ وَالْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ [الأنعام : ٥٢] فالوجه يعبر به عن ذات الشيء وحقيقته، نزلت في الفقراء بلال وصهيب وعمار وأضرابهم حين قال رؤساء المشركين : لو طردت هؤلاء السقاط لجالسناك.
فقال عليه السلام : ما أنا بطارد المؤمنين.
فقالوا : اجعل لنا يوماً ولهم يوماً وطلبوا بذلك كتاباً فدعا علياً رضي الله عنه ليكتب فقام الفقراء وجلسوا ناحية فنزلت، فرمى عليه الصلاة والسلام بالصحيفة وأتى الفقراء فعانقهم ﴿ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَىْءٍ ﴾ [الأنعام : ٥٢] كقوله ﴿ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلا عَلَى رَبِّى ﴾ [الشعراء : ١١٣] (الشعراء : ٣١١) ﴿ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَىْءٍ ﴾ [الأنعام : ٥٢] وذلك أنهم طعنوا في دينهم وإخلاصهم فقال : حسابهم عليهم لازم لهم لا يتعداهم إليك كما أن حسابك عليك لا يتعداك إليهم ﴿ فَتَطْرُدَهُمْ ﴾ جواب النفي وهو ﴿ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم ﴾ ﴿ فَتَكُونَ مِنَ الظَّـالِمِينَ ﴾ [الأنعام : ٥٢] جواب النهي وهو ﴿ وَلا تَطْرُدِ ﴾ [الأنعام : ٥٢] ويجوز أن يكون عطفاً على ﴿ فَتَطْرُدَهُمْ ﴾ على وجه التسبيب لأن كونه ظالماً مسبب عن طردهم
٢١


الصفحة التالية
Icon