﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَـافِقِينَ وَالْمُنَـافِقَـاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَـالِدِينَ فِيهَا ﴾ [التوبة : ٦٨] مقدرين الخلود فيها ﴿ هِىَ ﴾ أي النار ﴿ حَسْبُهُمْ ﴾ فيه دلالة على عظم عذابها وأنه بحيث لا يزاد عليه ﴿ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ ﴾ [التوبة : ٦٨] وأهانهم مع التعذيب وجعلهم مذمومين ملحقين بالشياطين الملاعين ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ﴾ [المائدة : ٣٧] دائم معهم في العاجل لا ينفكون عنه وهو ما يقاسونه من تعب النفاق، والظاهر المخالف للباطن خوفاً من المسلمين وما يحذرونه أبداً من الفضيحة ونزول العذاب إن اطلع على أسرارهم.
١٩٣
الكاف في ﴿ كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالا وَأَوْلَـادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَـاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلَـاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلَـاقِهِمْ ﴾ محلها رفع أي أنتم مثل الذين من قبلكم، أو نصب على فعلتم مثل فعل الذين من قبلكم وهو أنكم استمتعتم بخلاقكم كما استمتعوا بخلاقهم أي تلذذوا بملاذ الدنيا.
والخلاق النصيب مشتق من الخلق وهو التقدير أي ما خلق للإنسان بمعنى قدر من خير ﴿ وَخُضْتُمْ ﴾ في الباطل ﴿ كَالَّذِي خَاضُوا ﴾ [التوبة : ٦٩] كالفوج الذي خاضوا، أو كالخوض الذي خاضوا.
والخوض الدخول في الباطل واللهو، وإنما قدم ﴿ فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَـاقِهِمْ ﴾ [التوبة : ٦٩] وقوله (كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم } مغن عنه ليذم الأولين بالاستمتاع بما أوتوا من حظوظ الدنيا والتهائهم بشهواتهم الفانية عن النظر في العاقبة وطلب الفلاح في الآخرة، ثم يشبه بعد ذلك حال المخاطبين بحالهم ﴿ أُوالَـائِكَ حَبِطَتْ أَعْمَـالُهُمْ فِي الُّدنْيَا وَالاخِرَةِ ﴾ [التوبة : ٦٩] في مقابلة قوله ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُا إِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِى ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَـابَ ﴾ [العنكبوت : ٢٧] ﴿ وَأُوالَـائِكَ هُمُ الْخَـاسِرُونَ ﴾ [التوبة : ٦٩] ثم ذكر نبأ من قبلهم فقال :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٩١
﴿ أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ ﴾ [التوبة : ٧٠] هو بدل من ﴿ الَّذِينَ ﴾ ﴿ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَـابِ مَدْيَنَ ﴾ [التوبة : ٧٠] وأهل مدين وهم قوم شعيب ﴿ وَالْمُؤْتَفِكَـاتِ ﴾ مدائن قوم لوط، وائتفاكهن انقلاب أحوالهن عن الخير إلى الشر ﴿ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَـاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾ [التوبة : ٧٠] فما صح منه أن يظلمهم بإهلاكهم لأنه حكيم فلا يعاقبهم بغير جرم ﴿ وَلَـاكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [البقرة : ٥٧] بالكفر وتكذيب الرسل ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَـاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ﴾ [التوبة : ٧١] في التناصر والتراحم
١٩٤
﴿ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [التوبة : ٧١] بالطاعة والإيمان ﴿ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [آل عمران : ١٠٤] عن الشرك والعصيان ﴿ وَيُقِيمُونَ الصَّلَواةَ وَيُؤْتُونَ الزكاة وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُا أُوالَـائِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ﴾ [التوبة : ٧١] السين مفيدة وجود الرحمة لا محالة فهي تؤكد الوعد كما تؤكد الوعيد في " سأنتقم منك يوماً " ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ﴾ غالب على كل شيء قادر عليه فهو يقدر على الثواب والعقاب ﴿ حَكِيمٌ ﴾ واضع كلا موضعه ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ جَنَّـاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُ خَـالِدِينَ فِيهَا وَمَسَـاكِنَ طَيِّبَةً ﴾ [التوبة : ٧٢] يطيب فيها العيش وعن الحسن رحمه الله : قصوراً من اللؤلؤ والياقوت الأحمر والزبرجد ﴿ فِى جَنَّـاتِ عَدْنٍ ﴾ [الصف : ١٢] هو علم بدليل قوله ﴿ جَنَّـاتِ عَدْنٍ الَّتِى وَعَدَ الرَّحْمَـانُ ﴾ [مريم : ٦١] (مريم : ١٦) وقد عرفت أن " الذي " و " التي " وضعا لوصف المعارف بالجمل وهي مدينة في الجنة ﴿ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ ﴾ [التوبة : ٧٢] وشيء من رضوان الله ﴿ أَكْبَرُ ﴾ من ذلك كله لأن رضاه سبب كل فوز وسعادة ﴿ ذَالِكَ ﴾ إشارة إلى ما وعد أو إلى الرضوان ﴿ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة : ٧٢] وحده دون ما يعده الناس فوزاً.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٩١