﴿ كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالا وَأَوْلَـادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَـاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلَـاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلَـاقِهِمْ ﴾ بالسيف ﴿ وَالْمُنَـافِقِينَ ﴾ بالحجة ﴿ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾ [التوبة : ٧٣] في الجهادين جميعاً ولا تحابهم، وكل من وقف منه على فساد في العقيدة فهذا الحكم ثابت فيه يجاهد بالحجة وتستعمل معه الغلظة ما أمكن منها
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٩٥
﴿ وَمَأْوَاـاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ جهنم.
أقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك شهرين ينزل عليه القرآن ويعيب المنافقين المتخلفين فيسمع من معه.
منهم الجلاس بن سويد فقال : والله لئن كان ما يقول محمد حقاً لأخواننا الذين خلّفناهم وهم سادتنا فنحن شر من الحمير.
فقال عامر بن قيس الأنصاري للجلاس : أجل والله إن محمداً صادق وأنت شر من الحمار.
١٩٥
وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم فاستحضر فحلف بالله ما قال، فرفع عامر يده فقال : اللهم أنزل على عبدك ونبيك تصديق الصادق وتكذيب الكاذب فنزل ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ ﴾ [التوبة : ٧٤] يعني إن كان ما يقول محمد حقاً فنحن شر من الحمير، أو هي استهزاؤهم فقال الجلاس : يا رسول الله والله لقد قلته وصدق عامر فتاب الجلاس وحسنت توبته ﴿ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَـامِهِمْ ﴾ [التوبة : ٧٤] وأظهروا كفرهم بعد إظهارهم الإسلام، وفيه دلالة على أن الإيمان والإسلام واحد لأنه قال ﴿ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَـامِهِمْ ﴾ [التوبة : ٧٤] ﴿ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ﴾ [التوبة : ٧٤] من قتل محمد عليه السلام أو قتل عامر لرده على الجلاس.
وقيل : أرادوا أن يتوجوا ابن أبي وإن لم يرض رسول الله صلى الله عليه وسلّم ﴿ وَمَا نَقَمُوا ﴾ [التوبة : ٧٤] وما أنكروا وما عابوا ﴿ إِلا أَنْ أَغْنَـاـاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ ﴾ [التوبة : ٧٤] وذلك أنهم كانوا حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم المدينة في ضنك من العيش لا يركبون الخيل ولا يحوزون الغنيمة، فآثروا بالغنائم وقتل للجلاس مولى فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بديته اثني عشر ألفاً فاستغنى ﴿ فَإِن يَتُوبُوا ﴾ [التوبة : ٧٤] عن النفاق ﴿ يَكُ ﴾ التوب ﴿ خَيْرًا لَّهُمْ ﴾ [محمد : ٢١] وهي الآية التي تاب عندها الجلاس ﴿ وَإِن يَتَوَلَّوْا ﴾ [التوبة : ٧٤] يصروا على النفاق ﴿ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِى الدُّنْيَا وَالاخِرَةِ ﴾ [التوبة : ٧٤] بالقتل والنار
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٩٥
﴿ وَمَا لَهُمْ فِى الارْضِ مِن وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ﴾ [التوبة : ٧٤] ينجيهم من العذاب.
﴿ وَمِنْهُم مَّنْ عَـاهَدَ اللَّهَ ﴾ [التوبة : ٧٥] روي أن ثعلبة بن حاطب قال : يا رسول الله ادع الله يرزقني مالاً فقال عليه السلام :" يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه " فراجعه وقال : والذي بعثك بالحق لئن رزقني مالاً لأعطين كل حق حقه.
فدعا له فاتخذ غنماً فنمت كما ينمى الدود حتى ضاقت بها المدينة، فنزل وادياً
١٩٦


الصفحة التالية
Icon