وانقطع عن الجمعة والجماعة، فسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقيل : كثر ماله حتى لا يسعه وادٍ فقال :" يا ويح ثعلبة " فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم مصدّقين لأخذ الصدقات فاستقبلهما الناس بصدقاتهم، ومرا بثعلبة فسألاه الصدقة فقال : ما هذه إلا جزية وقال : ارجعا حتى أرى رأيي، فلما رجعا قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلّم قبل أن يكلماه :" يا ويح ثعلبة " مرتين، فنزلت فجاء ثعلبة بالصدقة فقال : إن الله منعني أن أقبل منك فجعل التراب على رأسه، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلّم فجاء بها إلى أبي بكر رضي الله عنه فلم يقبلها، وجاء بها إلى عمر رضي الله عنه في خلافته فلم يقبلها، وهلك في زمان عثمان رضي الله عنه ﴿ لَـاـاِنْ ءَاتَـاـنَا مِن فَضْلِهِ ﴾ [التوبة : ٧٥] أي المال ﴿ لَنَصَّدَّقَنَّ ﴾ لنخرجن الصدقة والأصل " لنتصدقن " ولكن التاء أدغمت في الصاد لقربها منها ﴿ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّـالِحِينَ ﴾ [التوبة : ٧٥] بإخراج الصدقة ﴿ فَلَمَّآ ءَاتَـاـاهُم مِّن فَضْلِهِ ﴾ [التوبة : ٧٦] أعطاهم الله المال ونالوا مناهم ﴿ بَخِلُوا بِهِ ﴾ [التوبة : ٧٦] منعوا حق الله ولم يفوا بالعهد ﴿ وَتَوَلَّوا ﴾ عن طاعة الله ﴿ وَّهُم مُّعْرِضُونَ ﴾ [آل عمران : ٢٣] مصرون على الإعراض.
﴿ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِى قُلُوبِهِمْ ﴾ [التوبة : ٧٧] فأورثهم البخل نفاقاً متمكناً في قلوبهم لأنه كان سبباً فيه ﴿ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ﴾ [التوبة : ٧٧] أي جزاء فعلهم وهو يوم القيامة ﴿ بِمَآ أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [التوبة : ٧٧] بسبب إخلافهم ما وعدوا الله من التصدق والصلاح وكونهم كاذبين، ومنه جعل خلف الوعد ثلث النفاق.
﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا ﴾ [التوبة : ١٠٤] يعني المنافقين ﴿ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ ﴾ [التوبة : ٧٨] ما أسروه من النفاق بالعزم على إخلاف ما وعدوه ﴿ وَنَجْوَاـاهُم ﴾ وما يتناجون به فيما بينهم من المطاعن في الدين وتسمية الصدقة جزية وتدبير منعها ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّـامُ الْغُيُوبِ ﴾ [التوبة : ٧٨] فلا يخفى عليه شيء
١٩٧
﴿ الَّذِينَ ﴾ محله النصب أو الرفع على الذم، أو الجر على البدل من الضمير في ﴿ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاـاهُم ﴾ [الزخرف : ٨٠] ﴿ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ ﴾ [التوبة : ٧٩] يعيبون المطوعين المتبرعين ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَـاتِ ﴾ [التوبة : ٧٩] متعلق بـ ﴿ يَلْمِزُونَ ﴾.
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم حث على الصدقة فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم وقال : كان لي ثمانية آلاف فأقرضت ربي أربعة وأمسكت أربعة لعيالي فقال عليه السلام :" بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت " فبارك الله له حتى صولحت تماضر امرأته عن ربع الثمن على ثمانين ألفاً، وتصدق عاصم بمائة وسق من تمر ﴿ وَالَّذِينَ ﴾ عطف على ﴿ الْمُطَّوِّعِينَ ﴾ ﴿ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ ﴾ [التوبة : ٧٩] طاقتهم.
وعن نافع ﴿ جُهْدَهُمْ ﴾ وهما واحد.
وقيل : الجهد الطاقة والجهد المشقة وجاء أبو عقيل بصاعٍ من تمر فقال : بت ليلتي أجر بالجرير على صاعين فتركت صاعاً لعيالي، وجئت بصاع فلمزهم المنافقون وقالوا : ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياء، وأما صاع أبي عقيل فالله غني عنه ﴿ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ﴾ [التوبة : ٧٩] فيهزءون ﴿ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ ﴾ [التوبة : ٧٩] جازاهم على سخريتهم وهو خبر غير دعاء ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة : ١٧٤] مؤلم.
ولما سأل عبد الله بن عبد الله بن أبي رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يستغفر لأبيه في مرضه نزل ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴾ [التوبة : ٨٠] وقد مر أن هذا الأمر في معنى الخبر كأنه قيل : لن يغفر الله لهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم
١٩٨