﴿ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ﴾ [التوبة : ٨٠] والسبعون جارٍ مجرى المثل في كلامهم للتكثير وليس على التحديد والغاية، إذ لو استغفر لهم مدة حياته لن يغفر لهم لأنهم كفار والله لا يغفر لمن كفر به، والمعنى وإن بالغت في الاستغفار فلن يغفر الله لهم.
وقد وردت الأخبار بذكر السبعين وكلها تدل على الكثرة لا على التحديد والغاية، ووجه تخصيص السبعين من بين سائر الأعداد أن العدد قليل وكثير، فالقليل ما دون الثلاث، والكثير الثلاث فما فوقها، وأدنى الكثير الثلاث وليس لأقصاه غاية.
والعدد أيضاً نوعان : شفع ووتر، وأول الإشفاع اثنان، وأول الأوتار ثلاثة، والواحد ليس بعدد، والسبعة أول الجمع الكثير من النوعين لأن فيها أوتاراً ثلاثة وأشفاعاً ثلاثة، والعشرة كمال الحساب لأن ما جاوز العشرة فهو إضافة الآحاد إلى العشرة كقولك " اثنا عشر وثلاثة عشرة " إلى " عشرين "، والعشرون تكرير العشرة مرتين، والثلاثون تكريرها ثلاث مرات وكذلك إلى مائة، فالسبعون يجمع الكثرة والنوع والكثرة منه، وكمال الحساب والكثرة منه، فصار السبعون أدنى الكثير من العدد من كل وجه ولا غاية لأقصاه فجاز أن يكون تخصيص السبعين لهذا المعنى والله أعلم ﴿ ذَالِكَ ﴾ إشارة إلى اليأس من المغفرة ﴿ بِأَنَّهُمْ ﴾ بسبب أنهم ﴿ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [التوبة : ٨٠] ولا غفران لكافرين ﴿ وَاللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَـاسِقِينَ ﴾ [المائدة : ١٠٨] الخارجين عن الإيمان ما داموا مختارين للكفر والطغيان ﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ ﴾ [التوبة : ٨١] المنافقون الذين استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأدن لهم وخلّفهم بالمدينة في غزوة تبوك، أو الذين خلفهم كسلهم ونفاقهم والشيطان ﴿ بِمَقْعَدِهِمْ ﴾ بقعودهم عن الغزو ﴿ خِلَـافَ رَسُولِ اللَّهِ ﴾ [التوبة : ٨١] مخالفة له وهو مفعول له، أو حال أي قعدوا لمخالفته أو مخالفين له ﴿ وَكَرِهُوا أَن يُجَـاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ أي لم يفعلوا ما فعله المؤمنون من بذل أموالهم وأرواحهم في سبيل الله، وكيف لا يكرهونه وما فيهم ما في المؤمنين من باعث الإيمان وداعي الإيقان ﴿ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِى الْحَرِّ ﴾ [التوبة : ٨١] قال بعضهم لبعض أو قالوا للمؤمنين تثبيطاً ﴿ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴾ [التوبة : ٨١] استجهال لهم لأن من تصوّن من مشقة ساعة فوقع بسبب ذلك التصون في مشقة الأبد كان أجهل من كل جاهل.
١٩٩
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٩٥
﴿ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا ﴾ [التوبة : ٨٢] أي فيضحكون قليلاً على فرحهم بتخلفهم في الدنيا ويبكون كثيراً جزاء في العقبى، إلا أنه أخرج على لفظ الأمر للدلالة على أنه حتم واجب لا يكون غيره.
أن أهل النفاق يبكون في النار عمر الدنيا لا يرقأ لهم دمع ولا يكتحلون بنوم
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٠٠