﴿ مُنَـافِقُونَ ﴾ فصل بينها وبينه بمعطوف على خبره، ودل على مهارتهم فيه بقوله ﴿ لا تَعْلَمُهُمْ ﴾ [التوبة : ١٠١] أي يخفون عليك مع فطنتك وصدق فراستك لفرط تنوقهم في تحامي ما يشككك في أمرهم.
ثم قال ﴿ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ﴾ [التوبة : ١٠١] أي لا يعلمهم إلا الله ولا يطلع على سرهم غيره، لأنهم يبطنون الكفر في سويداء قلوبهم ويبرزون لك ظاهراً كظاهر المخلصين من المؤمنين ﴿ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ﴾ [التوبة : ١٠١] هما القتل وعذاب القبر، أو الفضيحة وعذاب القبر، أو أخذ الصدقات من أموالهم ونهك أبدانهم ﴿ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾ [التوبة : ١٠١] أي عذاب النار.
٢٠٥
﴿ وَءَاخَرُونَ ﴾ أي قوم آخرون سوى المذكورين ﴿ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ ﴾ [التوبة : ١٠٢] أي لم يعتذروا من تخلفهم بالمعاذير الكاذبة كغيرهم، ولكن اعترفوا على أنفسهم بأنهم بئس ما فعلوا نادمين وكانوا عشرة، فسبعة منهم لما بلغهم ما نزل في المتخلفين أوثقوا أنفسهم على سواري المسجد فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم فدخل المسجد فصلى ركعتين، كانت عادته كلما قدم من سفر فرآهم موثقين فسأل عنهم، ففذكر له أنهم أقسموا أن لا يحلوا أنفسهم حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلّم هو الذي يحلهم فقال : وأنا أقسم أن لا أحلهم حتى أومر فيهم فنزلت، فأطلقهم فقالوا : يا رسول الله هذه أموالنا التي خلفتنا عنك فتصدق بها وطهرنا فقال : ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئاً، فنزل ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ﴾ [التوبة : ١٠٣] ﴿ خَلَطُوا عَمَلا صَـالِحًا ﴾ [التوبة : ١٠٢] خروجاً إلى الجهاد ﴿ وَءَاخَرَ سَيِّئًا ﴾ [التوبة : ١٠٢] تخلفاً عنه، أو التوبة والإثم وهو من قولهم " بعت الشاء شاة ودرهما " أي شاة بدرهم، فالواو بمعنى الباء لأن الواو للجمع والباء للإلصاق فيتناسبان، أو المعنى خلط كل واحد منهما بالآخر فكل واحد منهما مخلوط ومخلوط به كقولك " خلطت الماء واللبن " تريد خلطت كل واحد منهما بصاحبه بخلاف قولك " خلطت الماء باللبن " لأنك جعلت الماء مخلوطاً واللبن مخلوطاً به.
وإذا قلته بالواو فقد جعلت الماء واللبن مخلوطين ومخلوطاً بهما كأنك قلت " خلطت الماء باللبن واللبن بالماء "
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٠٥
﴿ عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ ولم يذكر توبتهم لأنه ذكر اعترافهم بذنوبهم وهو دليل على التوبة ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ﴾ [التوبة : ١٠٣] كفارة لذنوبهم.
وقيل : هي الزكاة ﴿ تُطَهِّرُهُمْ ﴾ عن الذنوب وهو صفة لـ ﴿ صَدَقَةً ﴾ والتاء للخطاب أو لغيبة المؤنث.
والتاء في ﴿ وَتُزَكِّيهِم ﴾ للخطاب لا محالة ﴿ بِهَا ﴾ بالصدقة والتزكية مبالغة في التطهير وزيادة فيه، أو بمعنى الإنماء والبركة في المال ﴿ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ﴾ [التوبة : ١٠٣] واعطف عليهم بالدعاء لهم وترحم، والسنة أن يدعو المصدق لصاحب الصدقة إذا أخدها ﴿ إِنَّ صَلَواتَكَ ﴾ [التوبة : ١٠٣] كوفي غير أبي بكر.
قيل : الصلاة أكثر من الصلوات لأنها للجنس ﴿ صَلَواتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ﴾ [التوبة : ١٠٣]
٢٠٦
يسكنون إليه وتطمئن قلوبهم بأن الله قد تاب عليهم ﴿ وَاللَّهُ سَمِيعٌ ﴾ [البقرة : ٢٢٤] لدعائك أو سميع لاعترافهم بذنوبهم ودعائهم ﴿ عَلِيمٌ ﴾ بما في ضمائرهم من الندم والغم لما فرط منهم.
﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا ﴾ [التوبة : ١٠٤] المراد المتوب عليهم أي ألم يعلموا قيل أن يتاب عليهم وتقبل صدقاتهم ﴿ أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ﴾ [التوبة : ١٠٤] إذا صحت ﴿ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَـاتِ ﴾ [التوبة : ١٠٤] ويقبلها إذا صدرت على خلوص النية وهو للتخصيص أي إن ذلك ليس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم إنما الله هو الذي يقبل التوبة ويردها فاقصدوه بها ووجهوها إليها ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ ﴾ [التوبة : ١٠٤] كثير قبول التوبة ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ يعفو الحوبة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٠٥


الصفحة التالية
Icon