﴿ وَقُلِ ﴾ لهؤلاء التائبين ﴿ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة : ١٠٥] أي فإن عملكم لا يخفى ـ خيراً كان أو شراً ـ على الله وعباده كما رأيتم وتبين لكم، أو غير التائبين ترغيباً لهم في التوبة، فقد روي أنه لما تيب عليهم قال الذين لم يتوبوا : هؤلاء الذين تابوا كانوا بالأمس معنا لا يكلمون ولا يجالسون فما لهم فنزلت.
وقوله تعالى ﴿ فَسَيَرَى اللَّهُ ﴾ [التوبة : ١٠٥].
وعيد لهم وتحذير من عاقبة الإصرار والذهول عن التوبة ﴿ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَـالِمِ الْغَيْبِ ﴾ [التوبة : ١٠٥] ما يغيب عن الناس ﴿ وَالشَّهَـادَةِ ﴾ ما يشاهدونه ﴿ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة : ١٠٥] تنبئة تذكير ومجازاة عليه ﴿ وَءَاخَرُونَ مُرْجَوْنَ لامْرِ اللَّهِ ﴾ [التوبة : ١٠٦] بغير همز : مدني وكوفي غير أبي بكر.
غيرهم من أرجيته وأرجأته إذا أخرته، ومنه المرجئة أي وآخرون من المتخلفين موقوفون إلى أن يظهر أمر الله فيهم ﴿ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ ﴾ [التوبة : ١٠٦] إن أصروا ولم يتوبوا ﴿ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ﴾ [التوبة : ١٠٦] إن تابوا وهم ثلاثة : كعب بن مالك، وهلال بن أمية ومرارة
٢٠٧
بن الربيع، تخلفوا عن غزوة تبوك وهم الذين ذكروا في قوله :﴿ وَعَلَى الثَّلَـاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ﴾ [التوبة : ١١٨] ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمُ ﴾ [البقرة : ٩٥] برجائهم ﴿ حَكِيمٌ ﴾ في إرجائهم، وإما للشك وهو راجع إلى العباد أي خافوا عليهم العذاب وارجو لهم الرحمة.
وروي أنه عليه السلام أمر أصحابه أن لا يسلموا عليهم ولا يكلموهم ولم يفعلوا كما فعل ذلك الفريق من شد أنفسهم على السواري وإظهار الجزع والغم، فلما علموا أن أحداً لا ينظر إليهم فوضوا أمرهم إلى الله وأخلصوا نياتهم ونصحت توبتهم فرحمهم الله.
﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ﴾ [التوبة : ١٠٧] تقديره : ومنهم الذين اتخذوا.
﴿ الَّذِينَ ﴾ بغير واو.
مدني وشامي، وهو مبتدأ خبره محذوف أي جازيناهم.
روي أن بني عمرو بن عوف لما بنوا مسجد قباء بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يأتيهم، فأتاهم فصلى فيه فحسدتهم إخوانهم ـ بنو غنم بن عوف ـ وقالوا : نبني مسجداً ونرسل إلى رسول الله يصلي فيه ويصلي فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام وهو الذي قال لرسول الله عليه السلام يوم أحد : لا أجد قوماً يقاتلونك إلا قاتلتك معهم، فلم يزل يقاتله إلى يوم حنين فبنوا مسجداً إلى جنب مسجد قباء وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلّم : بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة ونحن نحب أن تصلي لنا فيه فقال :" إني على جناح سفر وإذا قدمنا من تبوك إن شاء الله صلينا فيه ".
فلما قفل من غزوة تبوك سألوه إتيان المسجد فنزلت عليه فقال لوحشي ـ حمزة ـ ومعن بن عدي وغيرهما :" انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه " ففعلوا وأمر أن يتخذ مكانه كناسة تلقى فيها الجيف والقمامة، ومات أبو عامر بالشام
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٠٥
﴿ ضِرَارًا ﴾ مفعول له وكذا ما بعد أي مضارة
٢٠٨


الصفحة التالية
Icon