لإخوانهم أصحاب مسجد قباء ﴿ وَكُفْرًا ﴾ وتقوية للنفاق ﴿ وَتَفْرِيقَا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة : ١٠٧] لأنهم كانوا يصلون مجتمعين في مسجد قباء فأرادوا أن يتفرقوا عنه وتختلف كلمتهم ﴿ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ ﴾ [التوبة : ١٠٧] وإعداداً لأجل من ﴿ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [التوبة : ١٠٧] وهو الراهب أعدوه له ليصلي فيه ويظهر على رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
وقيل : كل مسجد بني مباهاة أو رياء أو سمعة أو لغرض سوى ابتغاء وجه الله، أو بمال غير طيب فهو لاحق بمسجد الضرار ﴿ مِن قَبْلُ ﴾ [يوسف : ٦] متعلق بـ ﴿ حَارَبَ ﴾ أي من قبل بناء هذا المسجد يعني يوم الخندق ﴿ وَلَيَحْلِفُنَّ ﴾ كاذبين ﴿ إِنْ أَرَدْنَآ إِلا الْحُسْنَى ﴾ [التوبة : ١٠٧] ما أردنا ببناء هذا المسجد إلا الخصلة الحسنى وهي الصلاة وذكر الله والتوسعة على المصلين ﴿ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَـاذِبُونَ ﴾ [التوبة : ١٠٧] في حلفهم ﴿ لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ﴾ [التوبة : ١٠٨] للصلاة ﴿ لَّمَسْجِدٌ أُسِّـاسَ عَلَى التَّقْوَى ﴾ [التوبة : ١٠٨] اللام للابتداء و ﴿ أَسَّـاسَ ﴾ نعت له وهو مسجد قباء أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلّم وصلى فيه أيام مقامه بقباء أو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالمدينة ﴿ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ﴾ [التوبة : ١٠٨] من أيام وجوده.
قيل : القياس فيه منذ لأنه لابتداء الغاية في الزمان، و " من " لابتداء الغاية في المكان، والجواب إن من عام في الزمان والمكان ﴿ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ﴾ [التوبة : ١٠٨] مصلياً ﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ [التوبة : ١٠٨] قيل : لما نزلت مشى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومعه المهاجرون حتى وقفوا على باب مسجد قباء، فإذا لأنصار جلوس فقال : أمؤمنون أنتم؟ فسكت القوم.
ثم أعادها فقال عمر : يا رسول الله إنهم لمؤمنون وأنا معهم، فقال عليه السلام :" أترضون بالقضاء " ؟ قالوا : نعم.
قال :" أتصبرون على البلاء " ؟ قالوا : نعم.
قال :" أتشكرون في الرخاء " ؟ قالوا : نعم.
قال عليه السلام :" مؤمنون أنتم ورب الكعبة ".
فجلس ثم قال :" يا معشر الأنصار إن الله عز وجل قد أثنى عليكم فما الذي تصنعون عند الوضوء وعند الغائط " ؟ فقالوا : يا رسول الله نتبع الغائط الأحجار الثلاثة ثم نتبع الأحجار الماء فتلا النبي عليه السلام :﴿ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ﴾ [التوبة : ١٠٨].
قيل : هو عام في التطهر عن النجاسات كلها.
وقيل : هو التطهر من الذنوب بالتوبة.
٢٠٩
ومعنى محبتهم للتطهر أنهم يؤثرونه ويحرصون عليه حرص المحب للشيء، ومعنى محبة الله إياهم أنه يرضى عنهم ويحسن إليهم كما يفعل المحب بمحبوبه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٠٥
﴿ أَفَمَنْ أَسَّـاسَ بُنْيَـانَهُ ﴾ [التوبة : ١٠٩] وضع أساس ما يبنيه ﴿ أَفَمَنْ أَسَّـاسَ بُنْيَـانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّـاسَ بُنْيَـانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ ﴾ هذا سؤال تقرير وجوابه مسكوت عنه لوضوحه، والمعنى أفمن أسس بنيان دينه على قاعدة محكمة وهي تقوى الله ورضوانه، خير أم من أسسه على قاعدة هي أضعف القواعد وهو الباطل والنفاق الذي مثله شفا جرف هار في قلة الثبات والاستمساك، وضع شفا الجرف في مقابلة التقوى لأنه جعل مجازاً عما ينافي التقوى.
والشفا : الحرف والشفير، وجرف الوادي : جانبه الذي يتحفر أصله بالماء وتجرفه السيول فيبقى واهياً، والهار الهائر وهو المتصدع الذي أشفى على التهدم والسقوط، ووزنه فعل قصر عن فاعل كخلف من خالف، وألفه ليس فاعل إنما هي عينه وأصله " هور " فقلبت ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، ولا ترى أبلغ من هذا الكلام ولا أدل على حقيقة الباطل وكنه أمره
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢١٠