﴿ أَفَمَنْ أَسَّـاسَ بُنْيَـانَهُ ﴾ [التوبة : ١٠٩] شامي ونافع ﴿ جُرُفٍ ﴾ شامي وحمزة ويحيى بالإمالة : أبو عمرو وحمزة في رواية ويحيى ﴿ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ ﴾ [التوبة : ١٠٩] فطاح به الباطل في نار جهنم.
ولما جعل الجرف الهائر مجازاً عن الباطل رشح المجاز فجيء بلفظ الانهيار الذي هو للجرف، وليصور أن المبطل كأنه أسس بنيانه على شفا جرف هارٍ من أودية جهنم فانهار به ذلك الجرف فهوى في قعرها.
قال جابر : رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار حين انهار ﴿ وَاللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّـالِمِينَ ﴾ [البقرة : ٢٥٨] لا يوفقهم للخير عقوبة لهم على نفاقهم ﴿ لا يَزَالُ بُنْيَـانُهُمُ الَّذِى بَنَوْا رِيبَةً فِى قُلُوبِهِمْ ﴾ [التوبة : ١١٠] لا يزال هدمه سبب شك ونفاق زائد على شكهم ونفاقهم لما غاظهم من ذلك وعظم عليهم ﴿ إِلا أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ ﴾ [التوبة : ١١٠] شامي وحمزة وحفص أي تتقطع.
غيرهم ﴿ تَقَطَّعَ ﴾ أي إلا أن تقطع قلوبهم
٢١٠
قطعاً وتفر أجزاء فحينئذ يسلون عنه، وأما ما دامت سالمة مجتمعة فالريبة باقية فيها متمكنة، ثم يجوز أن يكون ذكر التقطع تصويراً لحال زوال الريبة عنها، ويجوز أن يراد حقيقة تقطيعها وما هو كائن منه بقتلهم أو في القبور أو في النار، أو معناه إلا أن يتوبوا توبة تتقطع بها قلوبهم ندماً وأسفاً على تفريطهم ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمُ ﴾ [البقرة : ٩٥] بعزائمهم ﴿ حَكِيمٌ ﴾ في جزاء جرائمهم.
﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ﴾ [التوبة : ١١١] مثل الله إثابتهم بالجنة على بذلهم أنفسهم وأموالهم في سبيله بالشراء.
وروي : تاجرهم، فأغلى لهم الثمن.
وعن الحسن : أنفساً هو خلقها وأموالاً هو رزقها.
ومر برسول الله صلى الله عليه وسلّم أعرابي وهو يقرؤها فقال : بيع والله مربح لا نقيله ولا نستقيله فخرج إلى الغزو واستشهد ﴿ يُقَـاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [المزمل : ٢٠] بيان محل التسليم ﴿ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ﴾ [التوبة : ١١١] أي تارة يقتلون العدو وطوراً يقتلهم العدو.
﴿ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ﴾ [التوبة : ١١١] حمزة وعلي ﴿ وَعْدًا عَلَيْهِ ﴾ [التوبة : ١١١] مصدر أي وعدهم بذلك وعداً ﴿ حَقًّا ﴾ صفته، أخبر بأن هذا الوعد الذي وعده للمجاهدين في سبيله وعد ثابت قد أثبته ﴿ فِي التَّوْرَاـاةِ وَالانجِيلِ وَالْقُرْءَانِ ﴾ [التوبة : ١١١] وهو دليل على أن أهل كل ملة أمروا بالقتال ووعدوا عليه.
ثم قال ﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾ [التوبة : ١١١] لأن إخلاف الميعاد قبيح لا يقدم عليه الكريم منا فكيف بأكرم الأكرمين، ولا ترى ترغيباً في الجهاد أحسن منه وأبلغ ﴿ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِى بَايَعْتُم بِهِ ﴾ [التوبة : ١١١] فافرحوا غاية الفرح فإنكم تبيعون فانياً بباقٍ ﴿ وَذَالِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة : ١١١] قال الصادق : ليس لأبدانكم ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها إلا بها.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢١٠
﴿ التَّـائِبُونَ ﴾ رفع على المدح أي هم التائبون يعني المؤمنين المذكورين، أو هو مبتدأ خبره ﴿ الْعَـابِدُونَ ﴾ أي الذين عبدوا الله وحده وأخلصوا له العبادة، وما بعده خبر بعد خبر أي التائبون من الكفر على الحقيقة الجامعون لهذه الخصال.
وعن الحسن : هم الذين تابوا من الشرك وتبرءوا من النفاق ﴿ الْحَـامِدُونَ ﴾
٢١١


الصفحة التالية
Icon