على نعمة الإسلام ﴿ السَّـائحُونَ ﴾ الصائمون لقوله عليه السلام " سياحة أمتي الصيام "، أو طلبة العلم لأنهم يسيحيون في الأرض يطلبونه في مظانه، أو السائرون في الأرض للاعتبار ﴿ الراَّكِعُونَ السَّـاجِدُونَ ﴾ [التوبة : ١١٢] المحافظون على الصلوات ﴿ الامِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [التوبة : ١١٢] بالإيمان والطاعة ﴿ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ ﴾ [التوبة : ١١٢] عن الشرك والمعاصي ودخلت الواو للإشعار بأن السبعة عقد تام، أو للتضاد بين الأمر والنهي كما في قوله :﴿ ثَيِّبَـاتٍ وَأَبْكَارًا ﴾ [التحريم : ٥] (التحريم : ٥) ﴿ وَالْحَـافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ﴾ [التوبة : ١١٢] أوامره ونواهيه، أو معالم الشرع ﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة : ٢٢٣] المتصفين بهذه الصفات.
وهمّ عليه السلام أن يستغفر لأبي طالب فنزل ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِىِّ وَالَّذِينَ ﴾ أي ما صح له الاستعفار في حكم الله وحكمته ﴿ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَـابُ الْجَحِيمِ ﴾ [التوبة : ١١٣] من بعد ما ظهر لهم أنهم ماتوا على الشرك، ثم ذكر عذر إبراهيم فقال ﴿ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لابِيهِ إِلا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ ﴾ [التوبة : ١١٤] أي وعد أبوه إياه أن يسلم أو هو وعد أباه أن يستغفر وهو قوله ﴿ لاسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ﴾ [الممتحنة : ٤] (الممتحنة : ٤) دليله قراءة الحسن ﴿ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ ﴾ ومعنى استغفاره سؤاله المغفرة له بعد ما أسلم أو سؤاله إعطاء الإسلام الذي به يغفر له ﴿ فَلَمَّا تَبَيَّنَ ﴾ [
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢١٠
التوبة : ١١٤] من جهة الوحي ﴿ لَهُ ﴾ لإبرهيم ﴿ إِنَّهُ ﴾ أن أباه ﴿ عَدُوٌّ لِّلَّهِ ﴾ [التوبة : ١١٤] بأن يموت كافراً وانقطع رجاؤه عنه ﴿ تَبَرَّأَ مِنْهُ ﴾ [التوبة : ١١٤] وقطع استغفاره ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ ﴾ هو المتأوه شفقاً وفرقاً، ومعناه أنه لفرط ترحمه ورقته كان يتعطف على أبيه الكافر ﴿ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة : ٢٢٥] هو الصبور على البلاء الصفوح عن الأذى، لأنه كان يستغفر لأبيه وهو يقول لأرجمنك
٢١٢
﴿ يَتَّقُونَ ﴾ أي ما أمر الله باتقائه واجتنابه كالاستغفار للمشركين وغيره مما نهى عنه وبين أنه محظور، لا يؤاخذ به عباده الذين هداهم للإسلام، ولا يخذلهم إلا إذا قدموا عليه بعد بيان حظره وعلمهم بأنه واجب الإمتثال، وأما قبل العلم والبيان فلا، وهذا بيان لعذر من خاف المؤاخذة بالاستغفار للمشركين، والمراد بـ ﴿ مَّا يَتَّقُونَ ﴾ [التوبة : ١١٥] ما يجب اتقاؤه للنهي، فأما ما يعلم بالعقل فغير موقوف على التوقيف ﴿ أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة : ٢٣١].
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢١٠
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢١٣
﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة : ١٠٧].
﴿ لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِىِّ ﴾ [التوبة : ١١٧] أي تاب عليه من إذنه للمنافقين في التخلف عنه كقوله ﴿ عَفَا اللَّهُ عَنكَ ﴾ [التوبة : ٤٣] (التوبة : ٣٤) ﴿ وَالْمُهَـاجِرِينَ وَالانصَارِ ﴾ [التوبة : ١١٧] فيه بعث للمؤمنين على التوبة، وأنه ما من مؤمن إلا وهو محتاج إلى التوبة والاستغفار حتى النبي صلى الله عليه وسلّم والمهاجرين والأنصار ﴿ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ﴾ [التوبة : ١١٧] في غزوة تبوك ومعناه في وقتها.
والساعة مستعملة في معنى الزمان المطلق وكانوا في عسرة من الظهر يتعاقب العشرة على بعير واحد، ومن الزاد تزودوا التمر المدود والشعير المسوس والإهالة الزنخة، وبلغت بهم الشدة حتى اقتسم التمرة اثنان وربما مصها الجماعة ليشربوا عليها الماء، ومن الماء حتى نحروا الإبل وعصروا كرشها وشربوه، وفي شدة زمان من حارّة القيظ ومن الجدب والقحط
٢١٣