﴿ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ﴾ [التوبة : ١١٧] عن الثبات على الإيمان أو عن اتباع الرسول في تلك الغزوة والخروج معه.
وفي ﴿ كَادَ ﴾ ضمير الشأن والجملة بعده في موضع النصب وهو كقولهم " ليس خلق الله مثله " أي ليس الشأن خلق الله مثله ﴿ يَزِيغُ ﴾ حمزة وحفص ﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ﴾ [التوبة : ١١٧] تكرير للتوكيد ﴿ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلَـاثَةِ ﴾ أي وتاب على الثلاثة وهم : كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية، وهو عطف على ﴿ النَّبِىُّ ﴾ ﴿ الَّذِينَ خُلِّفُوا ﴾ [التوبة : ١١٨] عن الغزو ﴿ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الارْضُ بِمَا رَحُبَتْ ﴾ [التوبة : ١١٨] برحبها أي مع سعتها وهو مثل للحيرة في أمرهم كأنهم لا يجدون فيها مكاناً يقرون فيه قلقاً وجزعاً ﴿ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ ﴾ [التوبة : ١١٨] أي قلوبهم لا يسعها أنس ولا سرور لأنها حرجت من فرط الوحشة والغم ﴿ وَظَنُّوا أَن لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلا إِلَيْهِ ﴾ [التوبة : ١١٨] وعلموا أن لا ملجأ من سخط الله إلا إلى استغفاره ﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ﴾ [التوبة : ١١٧] بعد خمسين يوماً ﴿ لِيَتُوبُوا ﴾ ليكونوا من جملة التوابين ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [التوبة : ١١٨] عن أبي بكر الوراق أنه قال : التوبة النصوح أن تضيق على التائب الأرض بما رحبت وتضيق عليه نفسه كتوبة هؤلاء الثلاثة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢١٣
﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّـادِقِينَ ﴾ في إيمانهم دون المنافقين، أو مع الذين لم يتخلفوا، أو مع الذين صدقوا في دين الله نية وقولاً وعملاً.
والآية تدل على أن الاجماع حجة لأنه أمر بالكون مع الصادقين فلزم قبول قولهم ﴿ مَا كَانَ لاهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الاعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ ﴾ [التوبة : ١٢٠] المراد بهذا النفي النهي وخص هؤلاء بالذكر وإن استوى كل الناس في ذلك،
٢١٤
لقربهم منه ولا يخفى عليه خروجه ﴿ وَلا يَرْغَبُوا ﴾ [التوبة : ١٢٠] ولا أن يضنوا ﴿ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ﴾ [التوبة : ١٢٠] عما يصيب نفسه أي لا يختاروا إبقاء أنفسهم على نفسه في الشدائد بل أمروا بأن يصحبوه في البأساء والضراء ويلقوا أنفسهم بين يديه في كل شدة ﴿ ذَالِكَ ﴾ النهي عن التخلف ﴿ بِأَنَّهُمْ ﴾ بسبب أنهم ﴿ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ ﴾ [التوبة : ١٢٠] عطش ﴿ وَلا نَصَبٌ ﴾ [التوبة : ١٢٠] تعب ﴿ وَلا مَخْمَصَةٌ ﴾ [التوبة : ١٢٠] مجاعة ﴿ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [التوبة : ٣٨] في الجهاد ﴿ مَا كَانَ ﴾ ولا يدوسون مكاناً من أمكنة الكفار بحوافر خيولهم وأخفاف رواحلهم وأرجلهم ﴿ يَغِيظُ الْكُفَّارَ ﴾ [التوبة : ١٢٠] يغضبهم ويضيق صدورهم ﴿ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلا ﴾ [التوبة : ١٢٠] ولا يصيبون منهم إصابة بقتل أو أسر أو جرح أو كسر أو هزيمة ﴿ إِلا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَـالِحٌ ﴾ [التوبة : ١٢٠] عن ابن عباس رضي الله عنهما : لكل روعة سبعون ألف حسنة.
يقال : نال منه إذا رزأه ونقصه وهو عام في كل ما يسوؤهم.
وفيه دليل على أن من قصد خيراً كان سعيه فيه مشكوراً من قيام وقعود ومشي وكلام وغير ذلك، وعلى أن المدد يشارك الجيش في الغنيمة بعد انقضاء الحرب لأن وطء ديارهم مما يغيظهم، وقد أسهم النبي صلى الله عليه وسلّم لا بني عامر وقد قدما بعد تقضي الحرب.
والموطىء إما مصدر كالمورد، وإما مكان.
فإن كان مكاناً فمعنى
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢١٣