إلى الأمم لم يكونوا إلابشراً مثلهم وإرسال اليتيم أو الفقير ليس بعجب أيضاً لأن الله تعالى إنما يختار للنبوة من جمع أسبابها والغنى والتقدم في الدنيا ليس من أسبابها والبعث للجزاء على الخير والشر هو الحكمة العظمى فكيف يكون عجباً إنما العجب والنكر في العقول تعطيل الجزاء ﴿ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ [يونس : ٢] أي سابقة وفضلاً ومنزلة رفيعة ولما كان السعي ولالسبق بالقدم سميت المسعاة الجميلة والسابقة قدما كما سميت النعمة يدا لأنها تعطي باليد وباعاً لأن صاحبها يبوع بها فقيل لفلان قدم في الخبر وإضافتها إلى صدق دلالة على زيادة فضل وأنه من السوابق العظيمة أو مقام صدق أو سبق السعادة ﴿ قَالَ الْكَـافِرُونَ إِنَّ هَـاذَا ﴾ [يونس : ٢] الكتاب لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ مدني وبصري وشامي.
ومن قرأ لساحر فهذه إشارة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو دليل عجزهم واعترافهم به وإن كانوا كاذبين في تسميته سحراً
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢١٩
﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [الأعراف : ٥٤] أي استولى فقد يقدس الديان عن المكان والمعبود عن الحدود ﴿ يُدَبِّرُ ﴾ يقضي ويقدر على مقتضى المحكمة ﴿ الامْرَ ﴾ أي أمر الخلق كله وأمر ملكوت السماوات والأرض والعرش.
ولما ذكر ما يدل على عظمته وملكه من خلق السموات والأرض والاستواء على العرش أتبعها هذه الجملة لزيادة الدلالة عل العظمة وأنه لا يخرج أمر من الأمور عن قضائه وتقديره وكذلك قوله :﴿ مَا مِن شَفِيعٍ إِلا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ﴾ [يونس : ٣] دليل على عزته وكبريائه ﴿ ذَالِكُمُ ﴾ العظيم الموصوف بما وصف به ﴿ اللَّهُ رَبُّكُمُ ﴾ [يونس : ٣٢] وهو الذي يستحق العبادة ﴿ فَاعْبُدُوهُ ﴾ وحدوه ولا تشركوا به بعض خلقه من إنسان أو ملك فضلا عن جماد لا يضر ولا ينفع ﴿ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ﴾ [يونس : ٣] أفلا تتدبرون فتستدلون بوجوب المصالح والمنافع على وجود المصلح النافع ﴿ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ﴾ [يونس : ٤] حال أي لا ترجعون لي العاقبة إلا إليه فاستعدوا
٢٢٠
للقائه والمرجع الرجوع أو مكان الرجوع ﴿ وَعْدَ اللَّهِ ﴾ [النور : ٥٥] مصدر مؤكد لقوله إليه مرجعكم ﴿ حَقًّا ﴾ مصدر مؤكد لقوله : وعد الله ﴿ إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾ [يونس : ٤] استئناف معناه التعليل لوجوب المرجع إليه ﴿ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ ﴾ [يونس : ٤] أي الحكمة بإبداء الخلق وإعادته هو جزاء المكلفين على أعمالهم ﴿ بِالْقِسْطِ ﴾ بالعدل وهو متعلق بيجزي أي ليجزيهم يقسطه ويوفيهم أجورهم أو بقسطهم أي بما أقسطوا وعدلوا ولم يظلموا حين آمنوا إذ الشرك ظلم ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان : ١٣] وهذا أوجه لمقابلة قوله :﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمُ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ﴾ [يونس : ٤] ولوجه كلامي
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٢٠
﴿ هُوَ الَّذِى جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَآءً ﴾ [يونس : ٥] الياء فيه منقلبة عن واو ضواء لكسرة ما قبلها وقلبها قنبل همزة لأنها للحركة أجمل ﴿ وَالْقَمَرَ نُورًا ﴾ [يونس : ٥] والضياء أقوى من النور فلذا جعله للشمس ﴿ وَقَدَّرَهُ ﴾ وقدر القمر أي وقدر مسيره ﴿ مَنَازِلَ ﴾ أو وقدره ذا منازل كقوله والقمر قدرناه منازل من
﴿ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ ﴾ [يونس : ٥] أي عدد السنين والشهور فاكتفى بالسنين لاشتمالها على الشهور ﴿ وَالْحِسَابَ ﴾ وحساب الآجال والمواقيت المقدرة بالسنين والشهور ﴿ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَالِكَ ﴾ [يونس : ٥] المذكور ملتبساً ﴿ ءَادَمَ بِالْحَقِّ ﴾ [المائدة : ٢٧] الذي هو الحكمة البالغة لم يخلقه عبثاً ﴿ يُفَصِّلُ الايَـاتِ ﴾ [الرعد : ٢] مكي وبصري وحفص وبالنون غيرهم ﴿ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة : ٢٣٠] فينتفعون بالتأمل فيها ﴿ إِنَّ فِى اخْتِلَـافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ [يونس : ٦] في مجيء كل واحد منهما خلف الآخر أو في اختلاف لونيهما ﴿ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ [يونس : ٦] من الخلائف ﴿ لايَـاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ ﴾ [يونس : ٦] خصهم بالذكر لأنهم يحذرون الآخر فيدعوهم الحذر إلى النظر
٢٢١


الصفحة التالية
Icon