﴿ وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ ﴾ [يونس : ١١] أصله ولو يعجل الله للناس الشر تعجيله لهم الخير فوضع استعجالهم بالخير موضع تعجيله لهم الخير إشعاراً بسرعة إجابته لهم والمراد أهل مكة وقولهم ﴿ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ ﴾ [الانفال : ٣٢] أي ولو عجلنا لهم الشر الذي دعوا به كما نعجل لهم الخير ونجيبهم إليه ﴿ لَقُضِىَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ﴾ [يونس : ١١] لأميتوا وأهلكوا.
لقضى إليهم أجلهم شامي على البناء للفاعل وهو الله عز وجل ﴿ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِى طُغْيَـانِهِمْ ﴾ [يونس : ١١] شركهم وضلالهم ﴿ يَعْمَهُونَ ﴾ يترددون ووجه اتصاله بما قبله أن قوله ولو يعجل الله متضمن معنى نفي التعجيل كأنه قيل ولا نعجل لهم الشر ولا نقضي إليهم أجلهم فنذرهم في طغيانهم أي فنمهلهم ونفيض عليهم النعمة مع طغيانهم إلزاماً للحجة عليهم ﴿ وَإِذَا مَسَّ الانسَـانَ ﴾ [الزمر : ٨] أصابه والمراد به الكافر ﴿ الضُّرُّ دَعَانَا ﴾ [يونس : ١٢] أي دعا الله لإزالته ﴿ لِجَنابِهِ ﴾ في موضع الحال بدليل عطف الحالين أي ﴿ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا ﴾ [يونس : ١٢] عليه أي دعانا مضطجعاً وفائدة ذكر هذه الأحوال أن معناه أن المضرور لا يزال داعياً لا يفتر عن الدعاء حتى تزول عنه الضر فهو يدعونا في حالاته كلها سواء كان مضطجعاً عاجزاً عن النهوض أو قاعداً لا يقدر على القيام أو قائماً لا يطيق المشي ﴿ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ ﴾ [يونس : ١٢] أزلنا ما به ﴿ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ ﴾ [يونس : ١٢] أي مضى على طريقته الأولى قبل مس الضر ونسى حال الجهد أو مر عن موقف الابتهال
٢٢٣
والتضرع لا يرجع إليه كأنه لا عهد له به والأصل كأنه لم يدعنا فخفف وحذف ضمير الشأن ﴿ كَذَالِكَ ﴾ مثل ذلك التزيين ﴿ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ﴾ [يونس : ١٢] للمجاوزين الحد في الكفر زين الشيطان بوسوسته ﴿ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة : ٦٢] من الإعراض عن الذكر واتباع الكفر
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٢٣
﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ ﴾ [يونس : ١٣] يا أهل مكة ﴿ لَمَّا ظَلَمُوا ﴾ [يونس : ١٣] أشركوا وهو ظرف لأهلكنا والواو في ﴿ وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم ﴾ [الروم : ٩] للحال أي ظلموا بالتكذيب وقد جاءتهم رسلهم ﴿ بِالْبَيِّنَـاتِ ﴾ بالمعجزات ﴿ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا ﴾ [يونس : ١٣] إن بقوا ولم يهلكوا لأن الله علم منهم أنهم يصرون على كفرهم وهو عطف على ظلموا أو اعتراض واللام لتأكيد النفي يعني أن السبب في إِهلاكهم تكذيبهم للرسل وعلم الله أنه لا فائدة في إمهالهم بعد أن ألزموا الحجة ببعثة الرسل ﴿ كَذَالِكَ ﴾ مثل ذلك الجزاء يعني الإهلاك ﴿ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يونس : ١٣] وهو عيد لأهل مكة على إجرامهم بتكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلّم ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَـاكُمْ خلائف فِى الارْضِ مِن بَعْدِهِمْ ﴾ [يونس : ١٤] الخطاب للذين بعث إليهم محمد صلى الله عليه وسلّم أي استخلفنا كم في الأرض بعد القرون التي أهلكناها ﴿ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [يونس : ١٤] أي لننظر أتعملون خيراً أو شراً فنعاملكم على حسب عملكم وكيف في محل النصب بتعملون لا بننظر لأن معنى الاستفهام فيه يمنع أن يتقدم عليه عامله والمعنى أنتم بمنظر منا فانظروا كيف تعلمون أبالاعتبار بماضيكم أم الاغترار بما فيكم؟ قال عليه السلام :" الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون " ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَـاتُنَا بَيِّنَـاتٍ ﴾ [
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٢٤
يونس : ١٥] حال ﴿ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ ﴾ لما غاظهم ما في القرآن من ذم عبارة الأوثان والوعيد لأهل الطغيان ﴿ لِقَآءَنَا ائْتِ بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هَـاذَآ ﴾ [يونس : ١٥] ليس فيه ما يغيظنا من ذلك نتبعك ﴿ أَوْ بَدِّلْهُ ﴾ [يونس : ١٥] بأن تجعل مكان آية عذاب آية رحمة وتسقط ذكر الآلهة وذم عبادتها فأمر بأن يجيب عن التبديل لأنه داخل تحت
٢٢٤