﴿ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ﴾ [يونس : ٢٢] أهلكوا جعل إحاطة العدو بالحي مثلاً في الإهلاك ﴿ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [يونس : ٢٢] من غير إشراك به لأنهم لا يدعونه حينئذ معه غيره يقولون :﴿ لَـاـاِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـاذِهِ ﴾ [يونس : ٢٢] الأهوال أو من هذه الريح ﴿ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّـاكِرِينَ ﴾ [الأنعام : ٦٣] لنعمتك مؤمنين بك متمسكين بطاعتك ولم يجعل الكون في الفلك غاية للتسيير في البحر ولكن مضمون الجملة الشرطية الواقعة بعد حتى بما في حيزها كأنه قيل يسيركم حتى إذا وقعت هذه الحادثة وكان كيت وكيت من مجيء الريح العاصف وتراكم الأمواج والظن بالهلاك والدعاء بالإنجاء وجواب إذا جاءتها ودعوا بدل من ظنوا لأن دعاءهم من لوازم ظنهم للهلاك فهو ملتبس به
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٢٧
﴿ فَلَمَّآ أَنجَـاـاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ ﴾ [يونس : ٢٣] يفسدون فيها ﴿ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ [الشورى : ٤٢] باطلاً أي مبطلين ﴿ يَـا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم ﴾ [يونس : ٢٣] أي ظلمكم يرجع إليكم كقوله ﴿ مَّنْ عَمِلَ صَـالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا ﴾ [فصلت : ٤٦] ﴿ مَتَـاعَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا ﴾ [القصص : ٦١] حفص أي تتمتعون متاع الحياة الدنيا وعلى أنفسكم خبر لبغيكم.
غيره بالرفع على أنه خبر بغيكم وعلى أنفسكم صلته كقوله فبغى عليهم ومعناه إنما بغيكم على أمثالكم أو هو خبر ومتاع خبر بعد خبر أو متاع خبر مبتدأ مضمر أي هو متاع الحياة الدنيا وفي الحديث " أسرع الخير ثواباً صلة الرحم وأعجل الشر عقاباً البغي واليمين الفاجرة " وروى " ثنتان يعجلهما الله في الدنيا البغي وعقوق الوالدين " وعن ابن عباس رضي الله عنهما لو بغى جبل على جبل لدك الباغين وعن محمد بن كعب : ثلاث من كن فيه كن عليه البغي والنكث المكر.
قال الله تعالى :
٢٢٨
﴿ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم ﴾ [يونس : ٢٣] ﴿ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ ﴾ [فاطر : ٤٣] ﴿ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ﴾ [الأنعام : ٨٧-١٠] ﴿ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٢٨
يونس : ٢٣] فنخبركم به ونجازيكم عليه ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَـاهُ مِنَ السَّمَآءِ ﴾ [يونس : ٢٤] من السحاب ﴿ فَاخْتَلَطَ بِهِ ﴾ [الكهف : ٤٥] بالماء ﴿ نَبَاتُ الارْضِ ﴾ [الكهف : ٤٥] أي فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضاً ﴿ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ ﴾ [يونس : ٢٤] يعني الحبوبِ والثمار والبقول ﴿ وَالانْعَـامُ ﴾ يعني الحشيش ﴿ حَتَّى إِذَآ أَخَذَتِ الارْضُ زُخْرُفَهَا ﴾ [يونس : ٢٤] زينتها بالنبات واختلاف ألوانه ﴿ وَازَّيَّنَتْ ﴾ وتزينت به وهو أصله فأدغمت التاء في الزاي وهو كلام فصيح جعلت الأرض آخذة زخرفها على التمثيل بالعروس إذا أخذت الثياب الفاخرة من كل لون فاكتستها وتزينب بغيرها من ألوان الزين ﴿ وَظَنَّ أَهْلُهَآ ﴾ [يونس : ٢٤] أهل الأرض ﴿ أَنَّهُمْ قَـادِرُونَ عَلَيْهَآ ﴾ [يونس : ٢٤] متمكنون من منفعتها محصلون لثمرتها رافعون لغلتها ﴿ أَتَـاـاهَآ أَمْرُنَا ﴾ [يونس : ٢٤] عذابنا وهو ضرب زرعها ببعض العاهات بعد أمنهم واستيقانهم أنه قد سلم ﴿ لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَـاهَا ﴾ [يونس : ٢٤] فجعلنا زرعاً ﴿ حَصِيدًا ﴾ شبيهاً بما يحصد من الزرع في قطعه واستئصاله ﴿ كَأَن لَّمْ تَغْنَ ﴾ [يونس : ٢٤] كأن لم يغن زرعها أي لم يلبث حذف المضاف في هذه المواضع لا بد منه ليستقيم المعنى ﴿ بِالامْسِ ﴾ هو مثل في الوقت القريب كأنه قيل كأن لم تغن آنفاً ﴿ كَذَالِكَ نُفَصِّلُ الايَـاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يونس : ٢٤] فينتفعون بضرب الأمثال وهذا من التشبه المركب شبهت حال الدنيا في سرعة تقضيها وانقراض نعيمها بعد الإقبال بحال نبات الأرض في جفافه وذهابه حطاماً بعدما التف وتكاثف وزين الأرض بخضرته ورفيفه والتنبيه على حكمة التشبيه أن الحياة صفوها شبيبتها وكدرها شيبتها كما أن صفو الماء في أعلى الإناء قال :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٢٨
ألم تر أن العمر كأس سلافة
فأوله صفو وآخره كدْر
٢٢٩


الصفحة التالية
Icon