وحقيقته تزيين جثة الطين بمصالح الدنيا والدين كاختلاط النبات على اختلاف التلوين فالطينة الطيبة تنبت بساتين الأنس ورياحين الروح وزهرة الزهد وكروم الكرم وحبوب الحب وحدائق الحقيقة وشقائق الطريقة والخبيثة تخرج خلاف الخلف وثمام الإثم وشوك الشرك وشيح الشح وحطب العطب ولعاع اللعب ثم يدعوه معاده كما يحين للحرث حصاده فتزايله الحياة مغتراً كما يهيج النبات مصفراً فتغيب جثة في الرمس كأن لم تغن بالأمس إلى أن يعود ربيع البعث وموعد العرض والبحث، وكذلك حال الدنيا كالماء ينفع قليله ويهلك كثيره ولا بد من ترك ما زاد كما لا بد من أخذ الزاد وآخذ المال لا يصيفو من زلة، كما أن خائض الماء لا ينجو من بلة وجمعه وإمساكه تلف صاحبه وإهلاكه فما دون النصاب كضحضاح ماء يجاوز بلا احتماء والنصاب كنهر حائل بين المجتاز.
والجواز إلى المفاز لا يمكن إلا بقنطرة وهي الزكاة وعمارتها بذل الصلات فمتى اختلت القنطرة غرّقته أمواج القناطير المقنطرة وعن هذا قال عليه السلام :" الزكاة قنطرة الإسلام " وكذا المال يساعد الأوغاد دون الأمجاد كما أن الماء يجتمع في الوهاد دون النجاد وكذلك الماء لا يجتمع إلا بكد البخيل كما أن الماء لا يجتمع إلا بسد المسيل ثم يفنى ويتلف ولا يبقى كالماء في الكف
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٢٨
﴿ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلَـامِ ﴾ هي الجنة أضافها إلى اسمه تعظيماً لها أو السلام السلامة لأن أهلها سالمون من كل مكروه وقيل لفشو السلام بينهم وتسليم الملائكة عليهم إلا قيلا سلاماً سلاماً ﴿ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ ﴾ [فاطر : ٨] ويوفق من يشاء ﴿ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة : ١٤٢] إلى الإسلام أو طريق السنة فالدعوة عامة على لسان رسول الله بالدلالة والهداية خاصة من لطف المرسل بالتوفيق والعناية والمعنى يدعو العباد كلهم إلى دار الإسلام ولا يدخلها إلا المهديون
٢٣٠
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣٠
﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا ﴾ [يونس : ٢٦] آمنوا بالله ورسله ﴿ الْحُسْنَى ﴾ المثوبة الحسنى وهي الجنة ﴿ وَزِيَادَةٌ ﴾ رؤية الرب عز وجل كذا عن أبي بكر وحذيفة وابن عباس وأبي موسى الأشعري وعبادة بن الصامت رضي الله عنهم وفي بعض التفاسير أجمع المفسرون على أن الزيادة النظر إلى الله تعالى وعن صهيب أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال :" إذا دخل أهل الجنة يقول الله تبارك وتعالى : أتريدون شيئاً أزيدكم فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار ــــ قال : ــــ فيرفع الحجاب فينظرون إلى الله تعالى فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم " ثم تلا للذين أحسنوا الحسنى وزيادة والعجب من صاحب الكشف أنه ذكر هذا الحديث لا بهذه العبارة وقال : إنه حديث مدفوع مع أنه مرفوع قد أورده صاحب المصابيح في الصحاح وقيل الزيادة المحبة في قلوب العباد وقيل : الزيادة مغفرة من الله ورضوان ﴿ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ ﴾ [يونس : ٢٦] ولا يغشى وجوههم ﴿ قَتَرٌ ﴾ غبرة فيها سواد ﴿ وَلا ذِلَّةٌ ﴾ [يونس : ٢٦] ولا أثر هوان والمعنى ولا يرهقهم ما يرهق أهل النار ﴿ أؤلئك أَصْحَـابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَـالِدُونَ ﴾ [البقرة : ٨٢] ﴿ وَالَّذِينَ كَسَبُوا ﴾ [يونس : ٢٧] عطف على للذين أحسنوا أي وللذين كسبوا ﴿ السَّيِّئَاتِ ﴾ فنون الشرك ﴿ جَزَآءُ سَيِّئَة بِمِثْلِهَا ﴾ [يونس : ٢٧] الباء زائدة كقوله وجزاء سيئة سيئة مثلها أو التقدير جزاء سيئة مقدر بمثلها ﴿ وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾ [يونس : ٢٧] ذل وهوان
٢٣١
﴿ يُجِيرَنِى مِنَ اللَّهِ ﴾ [الجن : ٢٢] من عقابه ﴿ مِنْ عَاصِمٍ ﴾ [يونس : ٢٧] أي لا يعصمهم أحد من سخطه وعقابه ﴿ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَة بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ﴾ [يونس : ٢٧] أي جعل عليها غطاء من سواد الليل أي هم سود الوجوه وقطعاً جمع قطعة وهو مفعول ثان لأغشيت.
قِطْعاً مكي وعلى من قوله ﴿ بِقِطْعٍ مِّنَ الَّيْلِ ﴾ [الحجر : ٦٥] وعلى هذه القراءة مظلماً صفة لقطع وعلى الأول حال من الليل والعامل فيه أغشيت لأن من الليل صفة لقطعا فكان إفضاؤه إلى الموصوف كإفضائه إلى الصفة أو معنى الفعل من الليل ﴿ أؤلئك أَصْحَـابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَـالِدُونَ ﴾ [البقرة : ٣٩]


الصفحة التالية
Icon