﴿ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآ ـاِكُم مَّن يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾ [يونس : ٣٤] إنما ذكر ثم يعيده وهم غير مقرين بالإعادة لأنه لظهور برهانها جعل أمراً مسلماً على أن فيهم من يقر بالإعادة أو يحتمل إعادة غير البشر كإعادة الليل والنهار وإعادة الإنزال والنبات ﴿ قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾ [يونس : ٣٤] أمر نبيه بأن ينوب عنهم في الجواب يعني أنهم لا تدعهم مكابرتهم أن ينطقوا بكلمة الحق فكلهم عنهم ﴿ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ [الأنعام : ٩٥] فكيف تصرفون عن قصد السبيل ﴿ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآ ـاِكُم مَّن يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ ﴾ [يونس : ٣٥] يرشد إليه ﴿ قُلِ اللَّهُ يَهْدِى لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِى إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لا يَهِدِّى إِلا أَن يُهْدَى ﴾ [يونس : ٣٥] يقال هداه للحق وإلى الحق فجمع بين اللغتين ويقال هدى بنفسه بمعنى اهتدى كما يقال شرى بمعنى اشترى ومنه قراءة حمزة وعلي أمن لا يهدي بمعنى يهتدي لا يهتدى بفتح الياء والهاء وتشديد الدال مكي وشامي وورش وبإشمام الهاء فتحة أبو عمرو، وبكسر الهاء وفتح الياء عاصم غير يحيى والأصل يهتدي وهي قراءة عبد الله فأدغمت التاء في الدال وفتحت الهاء بحركة التاء وكسرت لالتقاء الساكنين وبكسر الياء والهاء وتشديد الدال يحيى لأتباع ما بعدها وبسكون الهاء وتشديد الدال مدني غير ورش والمعنى أن الله وحده هو الذي يهدي للحق بما ركب في المكلفين من العقول وأعطاهم من التمكين للنظر في الأدلة التي نصبها لهم وبما وفقهم وألهمهم ووقفهم على الشرائع بإرسال الرسل فهل من شركائكم الذين جعلتم أنداداً لله أحد يهدي إلى الحق مثل هداية الله ثم قال : أفمن يهدي إلى الحق أحق بالاتباع أم الذي لا يهدي أي لا يهتدي بنفسه أولا يهدي غيره إلا أن يهديه الله وقيل معناه أم من لا يهتدي من الأوثان إلى مكان فينتقل إليه إلا أن يهدي إلا أن ينقل أولا يهتدي ولا يصح منه الاهتداء إلا أن ينقله الله من حاله إلى أن يجعله حياً ناطقاً فيهديه ﴿ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ [يونس : ٣٥] بالباطل حيث تزعمون أنهم أنداد الله
٢٣٤
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣٤
﴿ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ ﴾ [يونس : ٣٦] في قولهم للأصنام إنها آلهة وإنها شفعاء عند الله والمراد بالأكثر الجميع ﴿ إِلا ظَنًّا ﴾ [يونس : ٣٦] بغير دليل وهو اقتداؤهم بأسلافهم ظناً منهم إنهم مصيبون ﴿ إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِى مِنَ الْحَقِّ ﴾ [يونس : ٣٦] وهو العلم ﴿ شيئا ﴾ في موضع المصدر أي إغناء ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمُ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾ [يونس : ٣٦] من أتباع الظن وترك الحق ﴿ وَمَا كَانَ هَـاذَا الْقُرْءَانُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللَّهِ ﴾ أي افتراء من دون الله والمعنى وما صح وما استقام أن يكون مثله في علو أمره وإعجازه مفترى ﴿ وَلَـاكِنْ ﴾ كان ﴿ تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ [يونس : ٣٧] وهو ما تقدمه من الكتب المنزلة ﴿ وَتَفْصِيلَ الْكِتَـابِ ﴾ [يونس : ٣٧] وتبيين ما كتب وفرض من الأحكام والشرائع من قوله كتاب الله عليكم ﴿ لا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَـالَمِينَ ﴾ [يونس : ٣٧] داخل في حيز الاستدراك كأنه قال ولكن كان تصديقاً وتفصيلاً منتفياً عنه الريب كائناً من رب العالمين ويجوز أن يراد ولكن كان تصديقاً من رب العالمين وتفصيلاً منه لا ريب في ذلك فيكون من رب العالمين متعلقاً بتصديق وتفصيل ويكون لا ريب فيه اعتراضًاً كما تقول زيد لا شك فيه كريم ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاـاهُ ﴾ [
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣٥