﴿ وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ ﴾ [يونس : ٤٣] ومنهم ناس ينظرون إليك ويعاينون أدلة الصدق وأعلام النبوة ولكنهم لا يصدقون ﴿ أَفَأَنتَ تَهْدِى الْعُمْىَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ ﴾ [يونس : ٤٣] أتحسب أنك تقدر على هداية العمي ولو انضم إلىّ فقد البصر فقد البصيرة لأن الأعمى الذي له في قلبه بصيرة قد يحدس وأما العمى مع الحمق فجهد البلاء يعني أنهم في اليأس من أن يقبلوا ويصدقوا كالصم والعمي الذين لا عقول لهم ولا بصائر ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شيئا وَلَـاكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [يونس : ٤٤] ولكنِ الناس حمزة وعلي.
أي لم يظلمهم بسلب آلة الاستدلال ولكنهم ظلموا أنفسهم بترك الاستدلال حيث عبدوا جمادا وهم أحياء ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ ﴾ [سبأ : ٤٠] وبالياء حفص ﴿ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ ﴾ [يونس : ٤٥] استقصروا مدة لبثهم في الدنيا أو في قبورهم لهول ما يرون ﴿ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ﴾ [يونس : ٤٥] يعرف بعضهم بعضاً كأنهم لم يتفارقوا إلا قليلاً وذلك عند خروجهم من القبور ثم ينقطع التعارف بينهم لشدة الأمر عليهم كان لم يلبثوا حال من هم أي نحشرهم مشبهين بمن لم يلبثوا إلا ساعة وكأن مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي كأنهم.
ويتعارفون بينهم حال بعد حال أو مستأنف على تقديرهم يتعارفون بينهم ﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَآءِ اللَّهِ ﴾ [الأنعام : ٣١] على إرادة القول أي يتعارفون بينهم قائلين ذلك أو هي شهادة من الله على خسرانهم والمعنى أنهم وضعوا في تجارتهم وبيعهم الإيمان بالكفر ﴿ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ [البقرة : ١٦] للتجارة عارفين بها وهو استئناف فهي معنى التعجب كأنه قيل ما أخسرهم ﴿ وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِى نَعِدُهُمْ ﴾ [يونس : ٤٦] من العذاب ﴿ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ ﴾ [يونس : ٤٦] قبل عذابهم
٢٣٧
﴿ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ﴾ [يونس : ٤٦] جواب نتوفينك وجواب نرينك محذوف أي وإما نرينك بعض الذي نعدهم في الدنيا فذاك أو نتوفينك قبل أن نريكه فنحن نريكه في الآخرة ﴿ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ ﴾ [يونس : ٤٦] ذكرت الشهادة والمراد مقتضاها وهو العقاب كأنه قيل ثم الله معاقب على ما يفعلون وقيل ثم هنا بمعنى الواو
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣٧
﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ ﴾ [يونس : ٤٧] يبعث إليهم لينبههم على التوحيد ويدعوهم إلى دين الحق ﴿ فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ ﴾ [يونس : ٤٧] بالبينات فكذبوه ولم يتبعوه ﴿ قُضِىَ بَيْنَهُم ﴾ [يونس : ٤٧] بين النبي ومكذبيه ﴿ بِالْقِسْطِ ﴾ بالعدل فأنجي الرسول وعذب المكذبون أو لكل أمة من الأمم يوم القيامة رسول تنسب إليه وتدعى به فإذا جاء رسولهم الموقف ليشهد عليهم بالكفر والإيمان قضى بينهم بالقسط ﴿ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة : ٢٨١] لا يعذب أحد بغير ذنبه ولما قال وإما نرينك بعض الذي نعدهم أي من العذاب استعجلوا لما وعدوا من العذاب نزل ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَـاذَا الْوَعْدُ ﴾ [يونس : ٤٨] أي وعد العذاب ﴿ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ ﴾ [البقرة : ٢٣] أن العذاب نازل وهو خطاب منهم للنبي والمؤمنين ﴿ قُلْ ﴾ يا محمد ﴿ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِى ضَرًّا ﴾ [يونس : ٤٩] من مرض أو فقر ﴿ وَلا نَفْعًا ﴾ [طه : ٨٩] من صحة أو غنى ﴿ إِلا مَا شَآءَ اللَّهُ ﴾ [الأنعام : ١٢٨] استثناء منقطع أي ولكن ما شاء الله من ذلك كائن فكيف أملك لكم الضر وجلب العذاب ﴿ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [يونس : ٤٩] لكل أمة وقت معلوم للعذاب مكتوب في اللوح فإذا جاء وقت عذابهم لا يتقدمون ساعة ولا يتأخرون فلا تستعجلوا ﴿ قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَتَـاـاكُمْ عَذَابُهُ ﴾ [يونس : ٥٠] الذي تستعجلونه ﴿ بَيَـاتًا ﴾ نصب على الظرف أي وقت بيات وهو الليل وأنتم ساهون نائمون لا تشعرون ﴿ أَوْ نَهَارًا ﴾ [يونس : ٢٤] وأنتم مشتغلون بطلب المعاش والكسب ﴿ مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [يونس : ٥٠] أي من العذاب
٢٣٨


الصفحة التالية
Icon