والمعنى أن العذاب كله مكروه موجب للنفور فأي شيء تستعجلون منه وليس شيء منه يوجب الاستعجال والاستفهام في ماذا يتعلق بأرأيتم لأن المعنى أخبروني ماذا يستعجل منه المجرمون وجواب الشرط محذوف وهو تندموا على الاستعجال أو تعرفوا الخطأ فيه ولم يقل ماذا يستعجلون منه لأنه أريدت الدلالة على موجب ترك الاستعجال وهو الإجرام أو ماذا يستعجل منه المجرمون جواب الشرط نحو إن أتيتك ماذا تطعمني ثم تتعلق الجملة بأرأيتم أو
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣٨
﴿ أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ ﴾ [يونس : ٥١] العذاب ﴿ بِهِ ا ءَآلَاـانَ ﴾ [يونس : ٥١] جواب الشرط وماذا يستعجل منه المجرمون اعتراض والمعنى إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان ودخول حرف الاستفهام على ثم كدخوله على الواو والفاء في أفأمن أهل القرى أو أمن أهل القرى ﴿ ءَآلَْاـانَ ﴾ على إرادة القول أي قيل لهم إذا آمنوا بعد وقوع العذاب آلآن آمنتم به ﴿ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ﴾ [يونس : ٥١] َأي بالعذاب تكذيباً واستهزاء.
آلان بحذف الهمزة التي بعد اللام وإلقاء حركتها على اللام نافع ﴿ ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ [يونس : ٥٢] عطف على قيل المضمر قبل الآن ﴿ ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ ﴾ [يونس : ٥٢] أي الدوام ﴿ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ﴾ [يونس : ٥٢] من الشرك والتكذيب ﴿ وَيَسْتَنابِئُونَكَ ﴾ ويستخبرونك فيقولون ﴿ أَحَقٌّ هُوَ ﴾ [يونس : ٥٣] وهو استفهام على جهة الأنكار والاستهزاء والضمير للعذاب الموعود ﴿ قُلْ ﴾ يا محمد ﴿ إِى وَرَبِّى ﴾ [يونس : ٥٣] نعم والله ﴿ إِنَّهُ لَحَقٌّ ﴾ [الذاريات : ٢٣] إن العذاب كائن لا محالة ﴿ وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ ﴾ [الأنعام : ١٣٤] بفائتين العذاب وهو لاحق بكم لا محالة ﴿ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ﴾ [يونس : ٥٤] كفرت وأشركت وهو صفة لنفس أي ولو أن لكل نفس ظالمة ﴿ مَا فِى الارْضِ ﴾ [البقرة : ٢٩] في الدنيا اليوم من خزائنها وأموالها
٢٣٩
﴿ وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ * وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِى الارْضِ افْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ﴾ وأظهروها من قولهم أسر الشيء إذا أظهره أو أخفوها عجزاً عن النطق لشدة الأمر فأسر من الأضداد ﴿ وَقُضِىَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ﴾ [يونس : ٥٤] بين الظالمين والمظلومين دل عل ذلك ذكر الظلم ﴿ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة : ٢٨١] ثم أتبع ذلك الإعلام بأن له الملك كله بقوله
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣٩
﴿ أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ [يونس : ٥٥] فكيف يقبل الفداء وأنه المثيب المعاقب وما وعده من الثواب أو العقاب فهو حق لقوله :﴿ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ ﴾ [يونس : ٥٥] بالثواب أو بالعذاب ﴿ حَقٌّ ﴾ كائن ﴿ وَيُمِيتُ ﴾ هو القادر على الأحياء والإماتة لا يقدر عليهما غيره ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة : ٢٤٥] وإلى حسابه وجزائه المرجع فيخاف ويرجى ﴿ يَـا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ [يونس : ٥٧] أي قد جاءكم كتاب جامع لهذه الفوائد من موعظة وتنبيه على التوحيد والموعظة التي تدعو إلى كل مرغوب وتزجر عن كل مرهوب فما في القرآن من الأوامر والنواهي داع إلى كل مرغوب وزاجر عن كل مرهوب إذ الأمر يقتضي حسن المأمور به فيكون مرغوباً هو يقتضي النهي عن ضده وهو قبيح وعلى هذا النهي ﴿ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِى الصُّدُورِ ﴾ [يونس : ٥٧] أي صدوركم من العقائد الفاسدة وهدى من الضلالة ﴿ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس : ٥٧] لمن آمن به منكم ﴿ قُلْ ﴾ ﴿ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَالِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾ [يونس : ٥٨] أصل الكلام بفضل الله وبرحمته فليفرحوا بذلك فليفرحوا والتكرير للتأكيد والتقدير وإيجاب اختصاص الفضل والرحمة بالفرح دون ما عداهما من فوائد الدنيا فحذف أحد الفعلين لدلالة
٢٤٠


الصفحة التالية
Icon