﴿ وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَآ إِنَّكَ ءَاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلاهُ زِينَةً ﴾ [يونس : ٨٨] هو ما يتزين به من لباس أو حلى أو فرش أو أثاث أو غير ذلك ﴿ وَأَمْوَالا ﴾ أي نقداً ونعماً وضيعة ﴿ وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَآ إِنَّكَ ءَاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلاهُ ﴾ [يونس : ٨٨] ليضلوا الناس عن طاعتك كوفي ولا وقف على الدنيا لأن قوله ليضلوا متعلق بآتيت وربنا تكرار.
الأول للإلحاح في التضرع قال الشيخ أبو منصور رحمه الله إذا علم منهم أنهم يضلون الناس عن سبيله آتاهم ما آتاهم ليضلوا عن سبيله وهو كقوله ﴿ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ﴾ [آل عمران : ١٧٨] فتكون الآية حجة على المعتزلة ﴿ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ ﴾ [يونس : ٨٨] أي أهلكها وأذهب آثارها لأنهم يستعينون بنعمتك على معصيتك والطمس المحو والهلاك قيل صارت دارهمهم ودنانيرهم حجارة كهيئاتها منقوشة وقيل وسائر أموالهم كذلك ﴿ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾ [يونس : ٨٨] أطبع على قلوبهم واجعلها قاسية ﴿ فَلا يُؤْمِنُوا ﴾ [يونس : ٨٨] جواب الدعاء الذي هو أشدد ﴿ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الالِيمَ ﴾ [يونس : ٨٨] إلى أن يروا العذاب الأليم وكان كذلك فإنهم لم يؤمنوا إلى الغرق، وكان ذلك إيمان يأس فلم يقبل وإنما دعا عليهم بهذا لما أيس من إيمانهم وعلم بالوحي أنهم لا يؤمنون فأما قبل أن يعلم بأنهم لا يؤمنون فلا يسع له أن يدعو بهذا الدعاء لأنه أرسل إليهم ليدعوهم إلى الإيمان وهو يدل على أن الدعاء على الغير بالموت على الكفر لا يكون كفراً ﴿ قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا ﴾ [يونس : ٨٩] قيل كان موسى عليه السلام يدعو وهارون يؤمّن
٢٤٩
فثبت أن التأمين دعاء فكان اخفاؤه أول أو المعنى أن دعاء كما مستجاب وما طلبتما كائن ولكن في وقته ﴿ فَاسْتَقِيمَا ﴾ فاثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة والتبليغ ﴿ وَلا تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [يونس : ٨٩] ولا تتبعان طريق الجهلة الذين لا يعلمون صدق الإجابة وحكمة الإمهال فقد كان بين الدعاء والإجابة أربعون سنة.
لا تتبعان بتخفيف النون وكسرها لالتقاء الساكنين تشبيها بنون التثنية شامي وخطأه بعضهم لأن النون الخفيفة واجبة السكون وقيل هو إخبار عما يكونان عليه وليس بنهي أو هو حال وتقديره فاستقيما غير متبعين
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٤٩
﴿ وَجَـاوَزْنَا بِبَنِى إِسْرَاءِيلَ الْبَحْرَ ﴾ [يونس : ٩٠] هو دليل لنا على خلف الأفعال ﴿ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ ﴾ [يونس : ٩٠] فلحقهم يقال تبعته حتى أتبعته ﴿ بَغْيًا ﴾ تطاولاً ﴿ وَعَدْوًا ﴾ ظلماً وانتصباً على الحال أو على المفعول له ﴿ حَتَّى إِذَآ أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ ﴾ [يونس : ٩٠] ولا وقف عليه لأن ﴿ قَالَ ءَامَنتُ ﴾ [يونس : ٩٠] جواب إذا ﴿ أَنَّهُ ﴾ إنه حمزة وعلى على الاستئناف بدل من آمنت وبالفتح غيرهما على حذف الباء التي هي صلة الإيمان ﴿ لا إِلَـاهَ إِلا الَّذِى ءَامَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَاءِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس : ٩٠] وفيه دليل على أن الإيمان والإسلام واحد حيث قال : آمنت ثم قال : وأنا من المسلمين كرر فرعون المعنى الواحد ثلاث مرات في ثلاث عبارات حرصاً على القبول ثم لم يقبل منه حيث أخطأ وقته وكانت المرأة الواحدة تكفي في حالة الاختيار ﴿ ءَآلَْاـانَ ﴾ أتؤمن الساعة في وقت الاضطرار حين أدركك الغرق وأيست من نفسك قيل قال ذلك حين ألجمه الغرق والعامل فيه أتؤمن ﴿ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [يونس : ٩١] من الضالين المضلين عن الإيمان روى أن جبريل عليه السلام أتاه بفتيا ما قول الأميرفي عبد لرجل نشأ في ماله ونعمته فكفر نعمته وجحد حقه وادعى السيادة دونه فكتب فيه يقول أبو العباس الوليد بن مصعب جزاء العبد الخارج على سيده الكافر نعماءه أن يغرق في البحر فلما ألجمه الغرق ناوله جبريل عليه السلام خطه فعرفه
٢٥٠
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٠


الصفحة التالية
Icon