﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ ﴾ [يونس : ٩٢] نلقيك بنجوة من الأرض فرماه الماء إلى السلاحل كأنه ثور ﴿ بِبَدَنِكَ ﴾ في موضع الحال أي الحال التي لا روح فيك وإنما أنت بدن أو ببدنك كاملاً سوياً لم ينقص منه شيء ولم يتغير أو عرياناً لست إلا بدنا من غير لباس أو بدرعك وكانت له درع من ذهب يعرف بها وقرأ أبو حنيفة رضي الله عنه بأبدانك وهو مثل قولهم هو بأجرامه أي ببدنك كله وافياً بأجزائه أو بدروعك لأنه ظاهر بينها ﴿ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءَايَةً ﴾ [يونس : ٩٢] لمن وراءك من الناس علامة وهم بنو إسرائيل وكان في أنفسهم أن فرعون أعظم شأناً من أن يغرق وقيل أخبرهم موسى بهلاكه فلم يصدقوه فألقاه الله على الساحل حتى عاينوه وقيل لمن خلفك لمن يأتي بعدك من القرون ومعنى كونه آية أن يظهر للناس عبوديته وأن ما كان يدعيه من الربوبية محال وأنه مع ما كان عليه من عظم الملك آل أمره إلى ما ترون للعصيانه ربه فما الظن بغيره ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ ءَايَةً ﴾ [يونس : ٩٢] ﴿ وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِى إِسْرَاءِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ ﴾ [يونس : ٩٣] منزلاً صالحاً مرضياً وهو مصر والشام ﴿ وَرَزَقْنَـاهُم مِّنَ الطَّيِّبَـاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا ﴾ [يونس : ٩٣] في دينهم ﴿ حَتَّى جَآءَهُمُ الْعِلْمُ ﴾ [يونس : ٩٣] أي التوراة وهم اختلفوا في تأويلها كما اختلف أمة محمد صلى الله عليه وسلّم في تأويل الآيات من القرآن أو المراد العلم بمحمد واختلاف بني إسرائيل وهم أهل الكتاب اختلافهم في صفته أنه هو أم ليس هو بعد ما جاءهم العلم أنه هو
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥١
﴿ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [يونس : ٩٣] يميز الحق من المبطل ويجزي كلا جزاءه ﴿ قَبْلِكَ ﴾ لما قدم ذكر بني إسرائيل وهم قراء الكتاب ووصفهم بأن العلم قد جاءهم لأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم مكتوب في التوراة والإنجيل وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، أراد أن
٢٥١
يؤكد علمهم بصحة القرآن وبصحة نبوته صلى الله عليه وسلّم ويبالغ في ذلك فقال : فإن وقع لك شك فرضاً وتقديراً ــــ وسبيل من خالجته شبة أن يسارع إلى حلها بالرجوع إلى قوانين الدين وأدلته أو بمباحثة العلماء ــــ فسل علماء أهل الكتاب فإنهم من الإحاطة بصحة ما أنزل إليك بحيث يصلحون لمراجعة مثلك فضلاً عن غيرك فالمراد وصف الأحبار بالرسوخ في العلم بصحة ما أنزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم لا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالشك فيه ثم قال :﴿ لَقَدْ جَآءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ﴾ [يونس : ٩٤] أي ثبت عندك بالآيات الواضحة والبراهين اللائحة أن ما أتاك هو الحق الذي لا مجال فيه للشك ﴿ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ [البقرة : ١٤٧] الشاكين ولا وقف عليه للعطف
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥١
﴿ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِـاَايَـاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَـاسِرِينَ ﴾ [يونس : ٩٥] أي فاثبت ودم على ما أنت عليه من انتفاء المرية عنك والتكذيب بايات الله أو هو على طريقة التهييج والإلهاب كقوله ﴿ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلْكَـافِرِينَ ﴾ [القصص : ٨٦] ﴿ وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ ءَايَـاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ ﴾ [القصص : ٨٧] ولزيادة التثبيت والعصمة ولذلك قال عليه السلام عند نزوله :" لا أشك ولا أسأل بل أشهد أنه الحق " أوخوطب رسول الله صلى الله عليه وسلّم والمراد أمته أي وإن كنتم في شك مما أنزلنا إليكم كقوله وأنزلنا إليكم نورامبينا أو الخطاب لكل سامع يجوز عليه الشك كقول العرب إذا عز أخوك فهن أو إن للنفي أي فما كنت في شك فأسأل أي لا نأمرك بالسؤال لأنك شاك ولكن لتزداد يقينا كما ازداد إبراهيم عليه السلام بمعاينة إحياء الموتى.
فإن قلت إنما يجيء إن للنفي إذا كان بعده إلا كقوله :﴿ إِنِ الْكَـافِرُونَ إِلا فِى غُرُورٍ ﴾ [الملك : ٢٠].
قلت ذاك غير لازم ألا ترى إلى قوله إن أمسكهما من أحد من بعده فإن للنفي وليس بعده إلا ﴿ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ ﴾ [يونس : ٩٦-١٣٧] ثبت عليهم قول الله الذي كتبه في اللوح وأخبر به الملائكة أنهم يموتون كفاراً أو قوله لأملأن جهنم الآية


الصفحة التالية
Icon