٢٥٢
ولا وقف على ﴿ لا يُؤْمِنُونَ ﴾ [البقرة : ٦] لأن
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٢
﴿ وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ ءَايَةٍ ﴾ [يونس : ٩٧] تتعلق بما قبلها ﴿ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الالِيمَ ﴾ [يونس : ٨٨] أي عند اليأس فيؤمنون ولا ينفعهم أو عند القيامة ولا يقبل منهم ﴿ فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ ءَامَنَتْ ﴾ [يونس : ٩٨] فهلا كانت قرية واحدة من القرى التي أهلكناها تابت عن الكفر وأخلصت الإيمان قبل المعاينة ولم يؤخر كما أخر فرعون إلى أن أخذ بخنقه ﴿ فَنَفَعَهَآ إِيمَـانُهَآ ﴾ [يونس : ٩٨] بأن يقبل الله منها بوقوعه في وقت الاختيار ﴿ إِلا قَوْمَ يُونُسَ ﴾ [يونس : ٩٨] استثناء منقطع أي ولكن قوم يونس أو متصل والجملة في معنى النفي كأنه قيل ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلا قوم يونس وانتصابه على الاستثناء ﴿ لَمَّآ ءَامَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْىِ فِى الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَـاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾ [يونس : ٩٨] إلى آجالهم.
روي أن يونس عليه السلام بعث إلى نينوى من أرض الموصل فكذبوه فذهب عنهم مغاضباً فلما فقدوه خافوا نزول العذاب فلبسوا المسوح كلهم وعجوا أربعين ليلة وبرزوا إلى الصعيد بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم وفرّقوا بين النساء والصبيان والدواب وأولادها فحن بعضهم إلى بعض وأظهروا الإيمان والتوبة فرحمهم وكشف عنهم وكان يوم عاشوراء يوم الجمعة وبلغ من توبتهم أن ترادوا المظالم حتى إن الرجل كان يقتلع الحجر وقد وضع عليه أساس بنائه فيرده وقيل خرجوا لما نزل بهم العذاب إلى شيخ من بقية علمائهم فقال لهم : قولوا وياحي حين لا حي وياحي محيي الموتى وياحي لا إِله إلا أنت فقالوها
٢٥٣
فكشف الله عنهم.
وعن الفضيل قدس الله روحه قالوا : اللهم إن ذنوبنا قد عظمت وجلت وأنت أعظم منهم وأحل افعل بنا ما أنت أهله ولا تفعل بنا ما نحن أهله
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٣
﴿ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لامَنَ مَن فِى الارْضِ كُلُّهُمْ ﴾ [يونس : ٩٩] على وجه الإحاطة والشمول ﴿ جَمِيعًا ﴾ حال مجتمعين على الإيمان مطبقين عليه لا يختلفون فيه أخبر عن كمال قدرته ونفوذ مشيئته أنه لو شاء لآمن من في الأرض كلهم ولكنه شاء أن يؤمن به من علم منه اختيار الإيمان به، وشاء الكفر ممن علم أنه يحتار الكفر ولا يؤمن به وقول المعتزلة المراد بالمشيئة مشيئة القسر والإلجاء أي لو خلق فيهم الإيمان جبراً لآمنوا لكن قد شاء أن يؤمنوا اختياراً فلم يؤمنوا دليله ﴿ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس : ٩٩] أي ليس إليك مشيئة إلا كراه والجبر في الإيمان إنما ذلك إليّ فاسد لأن الإيمان فعل العبد وفعله ما يحصل بقدرته ولا يتحقق ذلك بدون الاختيار وتأويله عندنا أن الله تعالى لطفاً لو أعطاهم لآمنوا كلهم عن اختيار ولكن علم منهم أنهم لا يؤمنون فلم بعطهم ذلك وهو التوفيق والاستفهام في أفأنت بمعنى النفي أي لا تملك أنت يا محمد أن تكرههم على الإيمان لأنه يكون بالتصديق والإقرار ولا يمكن الاكراه على التصديق ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [يونس : ١٠٠] بمشيئته أو بقضائه أو بتوفيقه وتسهيله أو بعلمه ﴿ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ ﴾ [يونس : ١٠٠] أي العذاب أو السخط أو الشيطان أي ويسلط الشيطان ﴿ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ ﴾ [يونس : ١٠٠] لا ينتفعون بعقولهم، ونجعل حماد ويحيى ﴿ قُلِ انظُرُوا ﴾ [يونس : ١٠١] نظر استدلال واعتبار ﴿ مَاذَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ [يونس : ١٠١]من الآيات والعبر باختلاف الليل والنهار وخروج الزروع والثمار ﴿ وَمَا تُغْنِى الايَـاتُ ﴾ [يونس : ١٠١] ما
٢٥٤
نافيه ﴿ وَالنُّذُرُ ﴾ والرسل المنذورون أو الانذارات ﴿ عَن قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ ﴾ [يونس : ١٠١] لا يتوقع إيمانهم وهم الذين لا يعقلون
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٤


الصفحة التالية
Icon