﴿ وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ ﴾ [الأنعام : ٧٣] وما بينهما ﴿ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾ [الأعراف : ٥٤] من الأحد إلى الجمعة تعليماً للتأني ﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَآءِ ﴾ [هود : ٧] أي فوقه يعني ما كان تحته خلق قبل خلق السماوات والأرض إلا الماء وفيه دليل على أن العرش والماء كانا مخلوقين قبل خلق السماوات والأرض قيل بدأه بخلق يا قوتة خضراء فنظر إليها بالهيبة فصارت ماء ثم خلق ريحاً فأقر الماء على متنه ثم وضع عرشه على الماء وفي وقوف العرش على الماء أعظم اعتبار لأهل الأفكار ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ ﴾ أي خلق السماوات والأرض وما بينهما للمتحن فيهما ولم يخلق هذه الأشياء لأنفسها ﴿ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ﴾ [هود : ٧] أكثر شكراً وعنه عليه السلام " أحسن عقلاً وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله فمن شكر وأطاع أثابه ومن كفر وعصى عاقبه " ولما أشبه ذلك اختبار المختبر قال : ليبلوكم أي ليفعل بكم ما يفعل المبتلى لأحوالكم كيف تعلمون ﴿ وَلَـاـاِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَـاذَآ إِلا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ [هود : ٧] أشار بهذا إلى القرآن لأن القرآن هو الناطق بالبعث فإذا جعلوا سحراً فقد اندرج تحته إنكار ما فيه من البعث وغيره ساحر حمزة وعلي يريدون الرسول والساحر كاذب مبطل ﴿ وَلَـاـاِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ ﴾ [هود : ٨] الآخرة أو عذاب يوم بدر ﴿ إِلَى أُمَّةٍ ﴾ [هود : ٨] إلى جماعة من الأوقات ﴿ مَّعْدُودَةٍ ﴾ معلومة أو قلائل والمعنى إلى حين معلوم ﴿ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُا ﴾ [هود : ٨] ما يمنعه من النزول استعجالاً له على وجه التكذيب والاستهزاء ﴿ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ ﴾ [هود : ٨] العذاب ﴿ لَيْسَ ﴾ العذاب ﴿ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ ﴾ [هود : ٨] ويوم منصوب بمصروفاً أي ليس العذاب مصروفاً عنهم يوم يأتيهم ﴿ وَحَاقَ بِهِم ﴾ [هود : ٨] وأحاط بهم ﴿ مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ ﴾ [النحل : ٣٤] العذاب الذي كانوا به يستعجلون وإنما وضع يستهزئون
٢٦٠
موضع يستعجلون لأن استعجالهم كان على وجه الاستهزاء
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٩
﴿ وَلَـاـاِنْ أَذَقْنَا الانسَـانَ ﴾ [هود : ٩] هو للجنس ﴿ مِنَّا رَحْمَةً ﴾ [هود : ٩] نعمة من صحة وأمن وجدة واللام في لئن لتوطئة القسم ﴿ ثُمَّ نَزَعْنَـاهَا مِنْهُ ﴾ [هود : ٩] ثم سلبناه تلك النعمة وجواب القسم ﴿ إِنَّهُ ﴾ شديد اليأس من أن يعود إلى مثل تلك النعمة المسلوبة قاطع رجاءه من سعة فضل الله من غير صبر ولا تسليم لقضائه ﴿ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ ﴾ [هود : ٩] عظيم الكفران لما سلف له من التقلب في نعمة الله نسّاء له ﴿ وَلَـاـاِنْ أَذَقْنَـاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ ﴾ [هود : ١٠] وسعنا عليه النعمة بعد الفقر الذي ناله ﴿ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي ﴾ [هود : ١٠] أي المصائب التي ساءتني ﴿ إِنَّهُ لَفَرِحٌ ﴾ [هود : ١٠] أشر بطر ﴿ فَخُورٌ ﴾ على الناس بما أذاقه الله من نعمائه قد شغله الفرح والفخر عن الشكر ﴿ إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا ﴾ [هود : ١١] في المحنة والبلاء ﴿ وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ ﴾ [البقرة : ٢٥] وشكروا في النعمة والرخاء ﴿ أُوالَـائِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ ﴾ [هود : ١١] لذنوبهم ﴿ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [هود : ١١] يعني الجنة كانوا يقترحون عليه آيات تعنتا لا استرشاداً لأنهم لو كانوا مشترشدين لكانت آية واحدة مما جاء به كافية في رشادهم ومن اقتراحاتهم لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك وكانوا لا يعتدون بالقرآن ويتهاونون به فكان يضيق صدر رسول صلى الله عليه وسلّم أن يلقي إليهم ما لا يقبلونه ويضحكون منه فهيجه لأداء الرسالة وطرح المبالاة بردهم واستهزائهم واقتراحهم بقوله :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٦١
﴿ فَلَعَلَّكَ تَارِكُ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ ﴾ [هود : ١٢] أي لعلك تترك أن تلقيه إليهم وتبلغه إياهم مخافة ردهم له وتهاونهم به ﴿ وَضَآئِقُ بِهِ صَدْرُكَ ﴾ [هود : ١٢] بأن تتلوه عليهم ولم يقل ضيق ليدل على أنه ضيق عارض غير ثابت لأنه عليه السلام وكان أفسح الناس صدراً
٢٦١


الصفحة التالية
Icon