﴿ لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِى الاخِرَةِ هُمُ الاخْسَرُونَ ﴾ [هود : ٢٢] بالصد والصدود وفي لا جرم أقوال أحدها أن لا رد لكلام سابق أي ليس الأمر كما زعموا ومعنى جرم كسب وفاعله مضمر وأنهم في الآخرة في محل النصفب والتقدير كسب قولهم خسرانهم في الآخرة وثانيها أن لا جرم كلمتان ركبتا فصار معناهما حقاً وأن في موضع رفع بأنه فاعل لحق أي حق خسرانهم وثالثها أن معناه لا محالة ﴿ إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ ﴾ [هود : ٢٣] واطمأنوا إليه وانقطعوا إلى عبادته بالخشوع والتواضع من الخبت وهي الأرض المطمئنة ﴿ أؤلئك أَصْحَـابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَـالِدُونَ ﴾ [البقرة : ٨٢] ﴿ مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالاعْمَى وَالاصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ﴾ [هود : ٢٤] شبه فريق الكافرين بالأعمى والأصم وفريق المؤمنين بالبصير والسميع ﴿ هَلْ يَسْتَوِيَانِ ﴾ [هود : ٢٤] يعني الفريقين ﴿ مَثَلا ﴾ تشبيها وهو نصب على التمييز ﴿ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ﴾ [يونس : ٣] فتنتفعون بضرب المثل ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّى لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ [هود : ٢٥] أي بأني والمعنى أرسلناه ملتبساً بهذا الكلام وهو قوله إني لكم نذير مبين بالكسر فلما اتصل به الجار فتح كما فتح في كأن والمعنى على الكسر وبكسر الألف شامي ونافع وعاصم وحمزة على إرادة القول ﴿ أَن لا تَعْبُدُوا إِلا اللَّهَ ﴾ [هود : ٢٦] أن مفسرة متعلقة بأرسلنا أو بنذير ﴿ إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ ﴾ [هود : ٢٦] وصف اليوم بأليم من الاسناد المجازي لوقوع الألم فيه ﴿ فَقَالَ الْمَلا الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ ﴾ [هود : ٢٧] يريد الأشراف لأنهم يملؤون
٢٦٥
القلوب هيبة والمجالس أبهة أو لأنهم ملئوا بالأحلام والآراء الصائبة
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٦٥
﴿ مَا نَرَاـاكَ إِلا بَشَرًا مِّثْلَنَا ﴾ [هود : ٢٧] أرادوا أنه كان ينبغي أن يكون ملكاً أو ملكاً ﴿ وَمَا نَرَاـاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا ﴾ [هود : ٢٧] أخساؤنا جمع الأرذل ﴿ بَادِىَ ﴾ وبالهمزة أبو عمرو ﴿ الرَّأْىِ ﴾ وبغير همز أبو عمرو أي اتبعوك ظاهر الرأي أو أول الرأي من بدا يبدو إذا أظهر أو بدأ يبدأ إذا فعل الشيء أو لا وانتصابه على الظرف أصله وقت حدوث ظاهر رأيهم أو أول رأيهم فحذف ذلك وأقيم المضاف إليه مقامه أرادوا أن إتباعهم لك شيء عنّ لهم بديهة من غير روية ونظر ولو تفكروا ما اتبعوك وإنما استرذلوا المؤمنين لفقرهم وتأخرهم في الأسباب الدنيوية لأنهم كانوا جهالا ما كانوا يعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا فكان الأشرف عندهم من له جاه ومال كما ترى أكثر المتشبهيْن بالإسلام يعتقدون ذلك ويبنون عليه إكرامهم وإهانتهم ولقد زل عنهم أن التقدم في الدنيا لا يقرب أحداً من الله وإنما يبعده ولا يرفعه بل يضعه ﴿ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْل ﴾ [هود : ٢٧] في مال ورأى يعنون نوحاً وأتباعه ﴿ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَـاذِبِينَ ﴾ [هود : ٢٧]أي نوحاً في الدعوة ومتبعيه في الإجابة والتصديق يعني تواطأتم على الدعوة والإجابة تسبيباً للرياسة
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٦٥
﴿ قَالَ يَـاقَوْمِ أَرَءَيْتُمْ ﴾ أخبروني ﴿ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ ﴾ [هود : ٢٨] برهان ﴿ مِّن رَّبِّى ﴾ [الكهف : ٩٨] وشاهد منه يشهد لصحة دعواى ﴿ قَالَ يَـاقَوْمِ أَرَءَيْتُمْ إِن ﴾ [هود : ٢٨] يعني النبوة ﴿ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ ﴾ [هود : ٢٨] أي خفيت.
فعُمِّيت حمزة وعلي وحفص أي أخفيت أي فعميت عليكم البينة فلم تهدكم كما لو عمي على القوم دليلهم في المفازة بقوا بغيرها وحقيقته أو الحجة كما جعلت بصيرة ومبصرة جعلت عمياء لأن الأعمى لا يهتدي ولا يهدي غيره ﴿ أَنُلْزِمُكُمُوهَا ﴾ أي الرحمة ﴿ وَأَنتُمْ لَهَا كَـارِهُونَ ﴾ [هود : ٢٨] لا تريدونها والواو دخلت هنا تتمة للميم وعن أبي عمرو إسكان الميم ووجهه أن الحركة لم تكن إلا خلسة خفيفة فظنها الراوي سكوناً وهو لحن لأن الحركة الإعرابية لا يسوغ طرحها إلا في ضرورة الشعر
٢٦٦
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٦٦


الصفحة التالية
Icon