الأنعام : ٥٦] أي لا أجري في طريقتكم التي سلكتموها في دينكم من اتباع الهوى دون اتباع الدليل، وهو بيان سبب الذي منه وقعوا في الضلال ﴿ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا ﴾ [الأنعام : ٥٦] أي إن اتبعت أهواءكم فأنا ضال ﴿ وَمَآ أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [الأنعام : ٥٦] وما أنا من المهتدين في شيء يعني أنكم كذلك ولما نفي أن يكون الهوى متبعاً نبه على ما يجب اتباعه بقوله ﴿ قُلْ إِنِّى عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّى ﴾ [الأنعام : ٥٧] أي إني من معرفة ربي وأنه لا معبود سواه على حجة واضحة ﴿ وَكَذَّبْتُم بِهِ ﴾ [الأنعام : ٥٧] حيث أشركتم به غيره.
وقيل : على بينة من ربي على حجة من جهة ربي وهو القرآن وكذبتم به بالبينة، وذكر الضمير على تأويل البرهان أو البيان أو القرآن.
ثم عقبه بما دل على أنهم أحقاء بأن يعاقبوا بالعذاب فقال ﴿ مَا عِندِى مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ﴾ [الأنعام : ٥٧] يعني العذاب الذي استعجلوه في قولهم ﴿ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ ﴾ [الانفال : ٣٢] (الأنفال : ٢٣) ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ ﴾ [يوسف : ٤٠] في تأخير عذابكم ﴿ يَقُصُّ الْحَقَّ ﴾ [الأنعام : ٥٧] حجازي وعاصم أي يتبع الحق والحكمة فيما يحكم به ويقدره من قص أثره.
الباقون ﴿ يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ ﴾ أي قضاء الحق في كل ما يقضي من التأخير والتعجيل، والحق صفة لمصدر يقضي وقوله ﴿ وَهُوَ خَيْرُ الْفَـاصِلِينَ ﴾ [الأنعام : ٥٧] أي القاضين بالقضاء الحق إذ الفصل هو القضاء، وسقوط الياء من الخط لاتباع اللفظ لا لتقاء الساكنين ﴿ قُل لَّوْ أَنَّ عِندِى ﴾ [الأنعام : ٥٨] أي في قدرتي وإمكاني ﴿ مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ﴾ [الأنعام : ٥٧] من
٢٣
العذاب ﴿ لَقُضِىَ الامْرُ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ ﴾ [الأنعام : ٥٨] لأهلكتكم عاجلاً غضباً لربي ﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّـالِمِينَ ﴾ [الأنعام : ٥٨] فهو ينزل عليكم العذاب في وقت يعلم أنه أردع.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣
﴿ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَآ إِلا هُوَ ﴾ [الأنعام : ٥٩] المفاتح جمع مفتح وهو المفتاح، أو هي خزائن العذاب والرزق، أو ما غاب عن العباد من الثواب والعقاب والآجال والأحوال.
جعل للغيب مفاتح على طريق الاستعارة لأن المفاتح يتوصل بها إلى ما في الخزائن المستوثق منها بالأغلاق والأقفال، ومن علم مفاتحها وكيفية فتحها توصل إليها فأراد أنه هو المتوصل إلى المغيبات وحده لا يتوصل إليها غيره كمن عنده مفاتح أقفال المخازن ويعلم فتحها فهو المتوصل إلى ما في المخازن.
قيل : عنده مفاتح الغيب وعندك مفاتح العيب، فمن آمن بغيبه أسبل الله الستر على عيبه ﴿ وَيَعْلَمُ مَا فِى الْبَرِّ ﴾ [الأنعام : ٥٩] من النبات والدواب ﴿ وَالْبَحْرِ ﴾ من الحيوان والجواهر وغيرهما ﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا ﴾ [الأنعام : ٥٩] " ما " للنفي " و " من " للاستغراق أي يعلم عددها وأحوالها قبل السقوط وبعده ﴿ يَابِسٍ ﴾ عطف على ﴿ وَرَقَةٍ ﴾ وداخل في حكمها وقوله ﴿ إِلا فِى كِتَـابٍ مُّبِينٍ ﴾ [الأنعام : ٥٩] كالتكرير لقوله ﴿ إِلا يَعْلَمُهَا ﴾ [الأنعام : ٥٩] لأن معنى ﴿ إِلا يَعْلَمُهَا ﴾ [الأنعام : ٥٩] ومعنى ﴿ إِلا فِى كِتَـابٍ مُّبِينٍ ﴾ [الأنعام : ٥٩] واحد وهو علم الله أو اللوح.
ثم خاطب الكفرة بقوله ﴿ وَهُوَ الَّذِى يَتَوَفَّـاـاكُم بِالَّيْلِ ﴾ أي يقبض أنفسكم عن التصرف بالتمام في المنام ﴿ بِالَّيْلِ وَسَارِبُ بِالنَّهَارِ ﴾ كسبتم فيه من الآثام ﴿ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ﴾ [الأنعام : ٦٠] ثم يوقظكم في النهار، أو التقدير ثم يبعثكم في النهار ويعلم ما جرحتم فيه فقدم الكسب لأنه أهم، وليس فيه أنه لا يعلم ما جرحنا بالليل ولا أنه لا يتوفانا بالنهار فدل أن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفي ما عداه ﴿ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ﴾ [الأنعام : ٦٠] لتوفى الآجال على الاستكمال ﴿ ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ﴾ [الأنعام : ٦٠] رجوعكم بالبعث بعد الموت
٢٤


الصفحة التالية
Icon