﴿ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام : ٦٠] في ليلكم ونهاركم.
قال بعض أهل الكلام : أن لكل حاسة من هذه الحواس روحاً تقبض عند النوم ثم ترد إليها إذا ذهب النوم، فأما الروح التي تحيا بها النفس فإنها لا تقبض إلا عند انقضاء الأجل.
والمراد بالأرواح المعاني والقوى التي تقوم بالحواس ويكون بها السمع والبصر والأخذ والمشي والشم.
ومعنى ﴿ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ﴾ [الأنعام : ٦٠] أي يوقظم ويرد إليكم أرواح الحواس فيستدل به على منكري البعث لأنه بالنوم يذهب أرواح هذه الحواس ثم يردها إليها فكذا يحيي الأنفس بعد موتها.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣
﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ ملائكة حافظين لأعمالكم وهم الكرام الكاتبون ليكون ذلك أزجر للعباد عن ارتكاب الفساد إذا تفكروا أن صحائفهم تقرأ على رؤوس الأشهاد ﴿ حَتَّى إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ﴾ [الأنعام : ٦١] " حتى " لغاية حفظ الأعمال أي وذلك دأب الملائكة مع المكلف مدة الحياة إلى أن يأتيه الممات ﴿ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ﴾ [الأنعام : ٦١] أي استوفت روحه وهم ملك الموت وأعوانه و بالإمالة : حمزة ﴿ جَآءَتْ رُسُلُنَآ ﴾ [العنكبوت : ٣١] أبو عمرو ﴿ وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ ﴾ [الأنعام : ٦١] لا يتوانون ولا يؤخرون ﴿ ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ ﴾ [الأنعام : ٦٢] إلى حكمه وجزائه أي رد المتوفون برد الملائكة ﴿ مَوْلَـاـاهُمُ ﴾ مالكهم الذي يلي عليهم أمورهم ﴿ الْحَقِّ ﴾ العدل الذي لا يحكم إلا بالحق وهما صفتان لله ﴿ أَلا لَهُ الْحُكْمُ ﴾ [الأنعام : ٦٢] يومئذ لا حكم فيه لغيره ﴿ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَـاسِبِينَ ﴾ [الأنعام : ٦٢] لا يشغله حساب عن حساب يحاسب جميع الخلق في مقدار حلب شاة وقيل : الرد إلى من رباك خير من البقاء مع من آذاك.
﴿ قُلْ مَن يُنَجِّيكُم ﴾ [الأنعام : ٦٣] ﴿ يُنَجِّيكُم ﴾ ابن عباس ﴿ مِّن ظُلُمَـاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴾ [الأنعام : ٦٣] مجاز عن مخاوفهما وأهوالهما، أو ظلمات البر الصواعق والبحر الأمواج وكلاهما في الغيم
٢٥
والليل ﴿ تَدْعُونَهُ ﴾ حال من ضمير المفعول في ﴿ يُنَجِّيكُم ﴾ ﴿ تَضَرُّعًا ﴾ معلنين الضراعة وهو مصدر في موضع الحال، وكذا ﴿ وَخُفْيَةً ﴾ أي مسرين في أنفسكم حيث كان : أبو بكر وهما لغتان ﴿ وَخُفْيَةً لَّـاـاِنْ أَنجَاـنَا ﴾ [الأنعام : ٦٣] عاصم وبالامالة حمزة وعلي.
الباقون ﴿ أَنجَيْتَنَا ﴾ والمعنى يقولون لئن خلصنا ﴿ مِنْ هَـاذِهِ ﴾ [النساء : ٧٥] الظلمات ﴿ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّـاكِرِينَ ﴾ [الأنعام : ٦٣] لله تعالى ﴿ قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم ﴾ [الأنعام : ٦٤] بالتشديد كوفي ﴿ مِنْهَآ ﴾ من الظلمات ﴿ وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ﴾ [الأنعام : ٦٤] وغم وحزن ﴿ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام : ٦٤] ولا تشكرون.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣
﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ ﴾ [الأنعام : ٦٥] هو الذي عرفتموه قادراً أو هو الكامل القدرة فاللام يحتمل العهد والجنس ﴿ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ ﴾ [الأنعام : ٦٥] كما أمطر على قوم لوط وعلى أصحاب الفيل الحجارة ﴿ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾ [الأنعام : ٦٥] كما غرّق فرعون وخسف بقارون، أو من قبل سلاطينكم وسفلتكم، أو هو حبس المطر والنبات ﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا ﴾ [الأنعام : ٦٥] أو يخلطكم فرقاً مختلفين على أهواء شتى، كل فرقة منكم مشايعة لإمام.
ومعنى خلطهم أن ينشب القتال بينهم فيختلطوا ويشتبكوا في ملاحم القتال ﴿ وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ﴾ [الأنعام : ٦٥] يقتل بعضكم بعضاً.
والبأس السيف وعنه عليه الصلاة والسلام " سألت الله تعالى أن لا يبعث على أمتي عذابا من فوقهم أو من تحت أرجلهم فأعطاني ذلك أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعني وأخبرني جبريل أن فناء أمتي بالسيف ﴿ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الايَـاتِ ﴾ [الأنعام : ٤٦] بالوعد والوعيد ﴿ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾ بالقرآن أو بالعذاب ﴿ قَوْمِكَ ﴾ قريش ﴿ وَهُوَ الْحَقُّ ﴾ [الأنعام : ٦٦] أي الصدق أو لا بد أن ينزل بهم ﴿ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ ﴾ [الأنعام : ٦٦] بحفيظ وكل إلىّ أمركم إنما أنا منذر
٢٦


الصفحة التالية
Icon