﴿ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ [هود : ٣٧] هو في موضع الحال أي اصنعها محفوظاً وحقيقته ملتبساً بأعيننا كأن لله معه أعينا تكلؤه من أن يزيغ في صنعته عن الصواب (وَوَحينَا) وأنا نوحي إليك ونلهمك كيف تصنع عن ابن عباس رضي الله عنهما لم يعلم كيف صنعة الفلك فأوحى الله إليه أن يصنعها مثل جؤجؤ الطير ﴿ وَلا تُخَـاطِبْنِى فِى الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ [هود : ٣٧] ولا تدعني في شأن قومك واستدفاع العذاب عنهم بشفاعتك ﴿ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ﴾ [هود : ٣٧] محكوم عليهم بالإغراق وقد قضي به وجف القلم فلا سبيل إلى كفه ﴿ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ ﴾ [هود : ٣٨] حكاية حال ماضية ﴿ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلا مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ﴾ [هود : ٣٨] من عمله السفينة وكان يعملها في برية في أبعد موضع من الماء فكانوا يتضاحكون منه ويقولون له يا نوح صرت نجاراً بعدما كنت نبياً ﴿ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ ﴾ [هود : ٣٨] عند رؤية الهلاك ﴿ كَمَا تَسْخَرُونَ ﴾ [هود : ٣٨] منا عند رؤية الفلك روى أن نوحاً عليه السلام اتخذ السفينة من خشب الساج في سنتين وكان طولها ثلثمائة ذراع أو ألفاً ومائتي ذراع وعرضها خمسون ذراعاً أو ستمائة ذراع وطولها في السماء ثلاثون ذراعا وجعل لها ثلاثة بطون فحمل في البطن الأسفل الوحوش والسباع والهوام وفي البطن الأوسط الدواب والأنعام وركب نوح ومن معه من في البطن الأعلى مع ما يحتاج إليه من الزاد وحمل معه جسد آدم عليه السلام وجعله حاجزاً بين الرجال والنساء ﴿ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ ﴾ [هود : ٣٩] من في محل النصب بتعلمون أي فسوف تعلمون الذي يتأتى ﴿ عَذَابٌ يُخْزِيهِ ﴾ [هود : ٩٣] ويعني به إياهم ويريد بالعذاب عذاب الدنيا وهو الغرق ﴿ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ ﴾ [هود : ٣٩] وينزل عليه ﴿ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ﴾ [المائدة : ٣٧] وهو عذاب الآخرة
٢٦٩
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٦٩
﴿ حَتَّى ﴾ هي التي يبتدأ بعدها الكلام أدخلت على الجملة من الشرط والجزاء وهي غاية لقوله ويصنع الفلك أي وكان يصنعها إلى أن جاء وقت الموعد وما بينهما من الكلام حال من يصنع أي يصنعها والحال أنه كلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه وجواب كلما سخروا وقال استئناف على تقدير سؤال سائل أو قال جواب وسخروا بدل من مر أو صفة لملأ ﴿ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا ﴾ [هود : ٤٠] عذابنا ﴿ وَفَارَ التَّنُّور ﴾ [المؤمنون : ٢٧] هو كناية عن اشتداء الأمر وصعوبته وقيل معناه جاش الماء من تنور الخبز وكان من حجر لحواء فصار إلى نوح عليه السلام وقيل التنور وجه الأرض ﴿ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا ﴾ [هود : ٤٠] في السفينة ﴿ مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾ [هود : ٤٠] تفسيره في سورة المؤمنين ﴿ وَأَهْلَكَ إِلا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ﴾ [هود : ٤٠] عطف على اثنين وكذا ﴿ وَمَنْ ءَامَنَ ﴾ [هود : ٤٠] أي واحمل أهلك والمؤمنين من غيرهم واستثنى من أهله من سبق عليه القول أنه من أهل النار وما سبق عليه القول بذلك إلا للعلم بأنه يختار الكفر بتقديره وإرادته جل خالق العباد عن أن يقع في الكون خلاف ما أراد ﴿ وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُا إِلا قَلِيلٌ ﴾ [هود : ٤٠] قال عليه السلام :" كانوا ثمانية نوح وأهله وبنوه الثلاثة ونساؤهم " وقيل كانوا عشرة خمسة رجال وخمس نسوة وقيل كانوا اثنين وسبعين رجالاً ونساء وأولاد نوح سام وحام ويافث ونساؤهم فالجميع ثمانية وسبعون نصفهم رجال ونصفهم نساء ﴿ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْاراـاهَا وَمُرْسَـاـاهَآ ﴾ [هود : ٤١] بسم الله متصل باركبوا حالاً من الواو أي اركبوا فيها مسمين الله أو قائلين بسم الله وقت إجرائها ووقت إرسائها إما لأن المجرى والمرسى للوقت وإما لأنهما مصدران كالإجراء والإرساء حذف منهما الوقت المضاف كقولهم خفوق النجم ويجوز أن يكون بسم الله
٢٧٠


الصفحة التالية
Icon