﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ ﴾ [هود : ٤٥] نداؤه ربه دعاؤه له وهو قوله رب مع ما بعده من اقتضاء وعده في تنجية أهله ﴿ إِنَّ ابْنِى مِنْ أَهْلِى ﴾ [هود : ٤٥] أي بعض أهلي لأنه كان ابنه من صلبه أو كان ربيباً له فهو بعض أهله و ﴿ إِنَّ ابْنِى مِنْ أَهْلِى ﴾ [هود : ٤٥] أي بعض أهلي لأنه كان ابنه من صلبه أو كان ربيباً له فهو بعض أهله ﴿ وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ﴾ [هود : ٤٥] وإن كل وعد تعده فهو الحق الثابت الذي لا شك في إنجازه والوفاء به وقد وعدتني أن تنجي أهلي فما بال ولدي ﴿ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَـاكِمِينَ ﴾ [هود : ٤٥] أي أعلم الحكام وأعدلهم إذ لا فضل لحاكم على غيره إلا بالعلم والعدل ورب غريق في الجهل والجور من متقلدي الحكومة في زمانك قد لقب أقضى القضاة ومعناه أحكم الحاكمين فاعتبر واستعبر ﴿ قَالَ يَـانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ﴾ ثم علل لانتفاء كونه من أهله بقوله
٢٧٤
﴿ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَـالِحٍ ﴾ [هود : ٤٦] وفيه إيذان بأن قرابة الدين غامرة لقرابة النسب وأن نسيبك في دينك وإن كان حبشياً وكنت قرشياً لصيقك ومن لم يكن على دينك وإن كان أمسّ أقاربك رحماً فهو أبعد بعيد منك وجعلت ذاته عملاً غير صالح مبالغة في ذمة كقولها : فإنما هي إقبال وإدبار أو التقدير إنه ذو عمل وفيه إشعار بأنه إنما أنجى من أنجى من أهله لصلاحهم لا لأنهم أهله وهذا لما انتفى عنه الصلاح لم تنفعه أبوته.
عمِل غير صالح علي قال الشيخ أبو منصور رحمه الله كان عند نوح عليه السلام أن ابنه كان على دينه لأنه كان ينافق وإلا لا يحتمل أن يقول ابني من أهلي ويسأله نجاته وقد سبق منه النهي عن سؤال مثله بقوله ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون فكان يسأله على الظاهر الذي عنده كما كان أهل النفاق يظهرون الموافقة لنبينا عليه السلام ويضمرون الخلاف له ولم يعلم بذلك حتى أطلعه الله عليه وقوله ليس من أهلك أي من الذين وعدت النجاة لهم وهم المؤمنون حقيقة في السر والظاهر
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٧٤
﴿ فَلا تَسْـاَلْنِ ﴾ [الكهف : ٧٠] اجتزاء بالكسر عن الياء كوفي تسألْني بصري تسألّني مدني تسألَنِّ شامي فحذف الياء واجتزأ بالكسرة والنون نون التأكيد تسألنَّ مكي ﴿ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ [هود : ٤٦] بجواز مسألته ﴿ إِنِّى أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَـاهِلِينَ ﴾ [هود : ٤٦] هو كما نهى رسولنا بقوله فلا تكونن من الجاهلين ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ ﴾ [هود : ٤٧] أي من أن أطلب منك من المستقبل ما لا علم لي بصحته تأدباً بأدبك واتعاظاً بموعظتك ﴿ وَإِلا تَغْفِرْ لِى ﴾ [هود : ٤٧] ما فرط مني ﴿ وَتَرْحَمْنِى ﴾ بالعصمة عن العود إلى مثله ﴿ أَكُن مِّنَ الْخَـاسِرِينَ * قِيلَ يَـانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَـامٍ مِّنَّا ﴾ بتحية منا أو بسلامة من الغرق ﴿ وَبَرَكَـاتٍ عَلَيْكَ ﴾ [هود : ٤٨] هي الخيرات النامية وهي في حقه بكثرة ذريته وأتباعه فقد جعل أكثر الأنبياء من ذريته وأئمة الدين في القرون الباقية من نسله ﴿ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ﴾ [هود : ٤٨] من للبيان فتراد الأمم الذين كانوا معه في السفينة لأنهم كانوا جماعات أو قيل لهم أمم
٢٧٥
لأن الأمم تتشعب منهم أو لابتداء الغاية أي على أمم ناشئة ممن معك وهي الأمم إلى آخر الدهر وهو الوجه ﴿ وَأُمَمٌ ﴾ رفع بالابتداء ﴿ سَنُمَتِّعُهُمْ ﴾ في الدنيا بالسعة في الرزق والخفض في العيش صفة والخبر محذوف تقديره وممن معك أمم سنمتعهم وإنما حذف لأن ممن معك يدل عليه ﴿ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [هود : ٤٨] أي في الآخرة والمعنى أن السلام منا والبركات عليك وعلى أمم مؤمنين ينشؤن ممن معك.
وممن معك أمم ممتعون بالدنيا منقلبون إلى النار وكان نوح عليه السلام أبا الأنبياء والخلق بعد الطوفان منه وممن كان معه في السفينة وعن محمد ابن كعب دخل في ذلك السلام كل مؤمن ومؤمنة إِلى يوم القيامة وفيما بعده من المتاع والعذاب كل كافر
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٧٤