﴿ تِلْكَ ﴾ إشارة إلى قصة نوح عليه السلام ومحلها الرفع على الابتداء والجمل بعدها وهي ﴿ مِنْ أَنابَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلا قَوْمُكَ ﴾ [هود : ٤٩] أخبار أي تلك القصة بعض أنباء الغيب موحاة إليك مجهولة وعند قومك ﴿ مِن قَبْلِ هَـاذَا ﴾ [الأحقاف : ٤] الوقت أو من قبل إيحائي إليك وإخبارك بها ﴿ فَاصْبِرْ ﴾ على تبليغ الرسالة وأذى قومك كما صبر نوح وتوقع في العاقبة لك ولمن كذبك نحو ما كان لنوح وقومه ﴿ إِنَّ الْعَـاقِبَةَ ﴾ [هود : ٤٩] في الفوز والنصر والغلبة ﴿ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ عن الشرك ﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ ﴾ [الأعراف : ٦٥] واحداً منهم وانتصابه للعطف على أرسلنا نوحاً أي وأرسلنا إلى عاد أخاهم ﴿ هُودًا ﴾ عطف بيان ﴿ قَالَ يَـاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ﴾ وحدوه ﴿ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرُهُا ﴾ [الأعراف : ٥٩] بالرفع نافع صفة على محل الجار والمجرور وبالجر عليّ على اللفظ ﴿ إِنْ أَنتُمْ إِلا مُفْتَرُونَ ﴾ [هود : ٥٠] تفترون على الله الكذب باتخاذكم الأوثان له شركاء ﴿ يَـاقَوْمِ لا أَسْـاَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِىَ إِلا عَلَى الَّذِى فَطَرَنِى أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾ ما من
٢٧٦
رسول إلا واجه قومه بهذا القول لأن شأنهم النصيحة والنصيحة لا يمحضها إلا حسم المطامع وما دام يتوهم شيء منها لم تنجع ولم تنفع ﴿ تَتْلُونَ الْكِتَـابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة : ٤٤] إذ تردون نصيحة من لا يطلب عليها أجراً إلا من الله وهو ثواب الآخرة ولا شيء أنفى للتهمة من ذلك
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٧٦
﴿ إِسْرَارًا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ﴾ آمنوا به ﴿ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ﴾ [هود : ٦١] من عبادة غيره ﴿ يُرْسِلِ السَّمَآءَ ﴾ [نوح : ١١] أي المطر ﴿ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ﴾ [نوح : ١١] حال أي كثير الدرر ﴿ وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ﴾ [هود : ٥٢] إنما قصد استمالتهم إلى الإيمان بكثرة المطر وزيادة القوة لأنهم كانوا أصحاب زروع وبساتين فكانوا أحوج شيء إلى الماء وكانوا مدلين بما أوتوا من شدة البطش والقوة وقيل أراد القوة بالمال أو على النكاح وقيل حبس عنهم القطر ثلاث سنين وعقمت أرحام نسائهم فوعدهم هود عليه السلام المطر والأولاد على الإيمان والاستغفار وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه وفد على معاوية فلما خرج قال له بعض حجابه إني رجل ذو مال ولا يولد لي علمني شيئاً لعل الله يرزقني ولدا فقال الحسن عليك بالاستغفار فكان يكثر الاستغفار حتى ربما استغفر في يوم واحد سبعمائة مرة فولد له عشرة بنين فبلغ ذلك معاوية فقال : هلا سألته مم قال ذلك فوفد وفدة أخرى فسأله الرجل فقال ألم تسمع قول هود : ويزدكم قوة إلى قوتكم، وقول نوح : ويمددكم بأموال وبنين ﴿ وَلا تَتَوَلَّوْا ﴾ [هود : ٥٢] ولا تعرضوا عني وعما أدعو إليه ﴿ مُجْرِمِينَ ﴾ مصرين على إجرامكم وآثامكم ﴿ قَالُوا يَـاهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ ﴾ كذب منهم وجحود كما قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ﴿ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ ﴾ [يونس : ٢٠] مع فوت آياته الحصر ﴿ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِى ءَالِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ ﴾ [هود : ٥٣] هو حال من من الضمير في تاركي آلهتنا كأنه قيل وما نترك آلهتنا صادرين عن قولك ﴿ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [هود : ٥٣] وما يصح من أمثالنا أن يصدقوا مثلك فيما يدعوهم إليه أقناطاً له من الإجابة ﴿ إِن نَّقُولُ إِلا اعْتَرَاـاكَ بَعْضُ ءَالِهَتِنَا بِسُواءٍ ﴾ [هود : ٥٤] إن حرف نفي فنفى جميع القول
٢٧٧
إلا قولاً واحداً وهو قولهم اعتراك أصابك بعض آلهتنا بسوء بجنون وخبل وتقدير ما نقول قولا إل هذه المقالة أي قولنا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ﴿ قَالَ إِنِّى أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّى بَرِى ءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ [هود : ٥٤]
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٧٧