ممن آذاه، صفوح عمن عصاه ﴿ أَوَّاهٌ ﴾ كثير التأوه من خوف الله ﴿ مُّنِيبٌ ﴾ تائب راجع إلى الله وهذه الصفات دالة على رقة القلب والرأفة والرحمة فبين أن ذلك مما حمله على المجادلة فيهم رجاء أن يرفع عنهم العذاب ويمهلوا لعلهم يحدثون التوبة كما حمله على الاستغفار لأبيه فقالت الملائكة
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٨٣
﴿ مُّنِيبٌ * يَـاإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـاذَآ ﴾ الجدال وإن كانت الرحمة ديدنك ﴿ إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ ﴾ [هود : ٧٦] قضاؤه وحكمه ﴿ وَإِنَّهُمْ ءَاتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ﴾ [هود : ٧٦] لا يرد بجدال وغير ذلك عذاب مرتفع باسم الفاعل وهو آتيهم تقديره وإنهم يأتيهم ثم خرجوا من عند إبراهيم متوجهين نحو قوم لوط وكان بين قرية إبراهيم وقوم لوط أربعة فراسخ ﴿ وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا ﴾ [هود : ٧٧] لما أتوه ورأى هيئاتهم وجمالهم ﴿ سِى ءَ بِهِمْ ﴾ [هود : ٧٧] أحزن لأنه حسب أنهم إِنس فخاف عليهم خبث قومه وأن يعجز عن مقاومتهم ومدافعتهم ﴿ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا ﴾ [هود : ٧٧] تمييز أي وضاق بمكانهم صدره ﴿ وَقَالَ هَـاذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ﴾ [هود : ٧٧] شديد روى أن الله تعالى قال لهم : لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات، فلما مشى معهم منطلقاً بهم إلى منزله قال لهم : أما بلغكم أمر هذه القرية قالوا وما أمرهم قال أشهد الله إنها لشر قرية في الأرض عملاً قال ذلك أربع مرات فدخلوا معه منزله ولم يعلم بذلك أحد فخرجت امرأته فأخبرت بهم قومها ﴿ وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ ﴾ [هود : ٧٨] يسرعون كأنما يدفعون دفعاً ﴿ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّـاَاتِ ﴾ [هود : ٧٨] ومن قبل ذلك الوقت كانوا يعملون الفواحش حتى مرنوا عليها وقل عندهم استقباحها فلذلك جاؤوا يهرعون مجاهرين لا يكفهم حياء ﴿ قَالَ يَـاقَوْمِ هؤلاء بَنَاتِى ﴾ فتزوجوهن أراد أن يقي أضيافه ببناته وذلك غاية الكرم وكان تزويج المسلمات من الكفار جائزاً في ذلك الوقت كما جاز في الابتداء في هذه الأمة فقد
٢٨٤
زوج رسول الله صلى الله عليه وسلّم ابنتيه من عتبه بن أبي لهب وأبي العاص وهما كافران وقيل كان لهم سيدان مطاعان فأراد لوط أن يزوجهما ابنتيه ﴿ هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ﴾ [هود : ٧٨] أحل هؤلاء مبتدأ وبناتي عطف بيان وهن فصل وأطهر خبر المبتدأ أو بناتي خبر وهن أطهر مبتدأ وخبر ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [آل عمران : ١٢٣] بإيثارهن عليهم ﴿ وَلا تُخْزُونِ ﴾ [الحجر : ٦٩] ولا تهينوني ولا تفضحوني من الخزي أو ولا تخجلوني من الخزاية وهي الحياء وبالياء أبو عمرو في الوصل ﴿ فِى ضَيْفِى ﴾ [هود : ٧٨] في حق ضيوفي فإنه إذا خزي ضيف الرجل أو جاره فقد خزى الرجل وذلك من عراقة الكرم وأصالة المروءة ﴿ أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ ﴾ [هود : ٧٨] أي رجل واحد يهتدي إلى طريق الحق وفعل الجميل والكف عن السوء
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٨٤
﴿ قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِى بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ ﴾ [هود : ٧٩] حاجة لأن نكاح الإناث أمر خارج عن مذهبنا إتيان الذكران ﴿ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ ﴾ [هود : ٧٩] عنوا إتيان الذكور وما لهم فيه من الشهوة ﴿ قَالَ لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ ءَاوِى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴾ [هود : ٨٠] جواب لو محذوف أي لفعلت بكم ولصنعت والمعنى لو قويت عليكم بنفسي أو أويت إلى قوي أستند إليه وأتمنع به فيحميني منكم فشبه القوي العزيز بالركن من الجبل في شدته ومنعته.
روى أنه أغلق بابه حين جاؤوا وجعل ترادّهم ما حكى الله عنه وتجادلهم فتسوروا الجدار فلما رأت الملائكة ما لقى لوط من الكرب
٢٨٥
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٨٥


الصفحة التالية
Icon