هود : ١٠٨] هو استثناء من الخلود في نعيم الجنة وذلك أن لهم سوى الجنة ما هو أكبر منها وهو رؤية الله تعالى ورضوانه أو معناه إلا من شاء أن يعذبه بقدر ذنبه قبل أن يدخله الجنة وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال الاستثناء في الآيتين لأهل الجنة ومعناه ما ذكرنا أنه لا يكون للمسلم العاصي الذي دخل النار خلود في النار حيث يخرج منها ولا يكون له أيضاً خلود في الجنة لأنه لم يدخل الجنة ابتداء، والمعتزلة لما لم يروا خروج العصاة من النار ردوا الأحاديث المروية في هذا الباب وكفى به إثماً مبيناً ﴿ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾ [هود : ١٠٨] غير مقطوع ولكنه ممتد إلى غير نهاية كقوله :﴿ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴾ [فصلت : ٨] وهو نصب على المصدر أي أطعوا عطاء قيل كفرت الجهمية بأربع آيات ﴿ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾ [هود : ١٠٨].
﴿ أُكُلُهَا دَآ ـاِمٌ ﴾ [الرعد : ٣٥].
﴿ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ ﴾ [النحل : ٩٦].
﴿ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ ﴾ [الواقعة : ٣٣].
لما قص الله قصص عبدة الأوثان وذكر ما أحل بهم من نقمه وما أعد لهم من عذابه قال :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٩٤
﴿ فَلا تَكُ فِى مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هؤلاء ﴾ [هود : ١٠٩] أي فلان تشك بعدما أنزل عليك من هذه القصص في سوء عاقبة عبادتهم لما أصاب أمثالهم قبلهم تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وعدة بالانتقام منهم ووعيداً لهم ثم قال :﴿ هؤلاء مَا يَعْبُدُونَ إِلا كَمَا يَعْبُدُ ءَابَآؤُهُم مِّن قَبْلُ ﴾ يريد أن حالهم في الشرك مثل حال آبائهم وقد بلغك ما نزل بآبائهم فسينزل بهم مثله وهو استئناف معناه تعليل النهي عن المرية وما في مما وكما مصدرية أو
٢٩٥
موصولة أي من عبادتهم وكعبادتهم أو مما يعبدون من الأوثان ومثل ما يعبدون منها ﴿ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ ﴾ [هود : ١٠٩] حظهم من العذاب كما وفينا آباءهم أنصباءهم ﴿ غَيْرَ مَنقُوصٍ ﴾ [هود : ١٠٩] حال عند نصيبهم أي كاملاً
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٩٥
﴿ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَـابَ ﴾ [هود : ١١٠] التوراة ﴿ فَاخْتُلِفَ فِيهِ ﴾ [هود : ١١٠] آمن به قوم وكفر به قوم كما اختلف في القرآن وهو تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ﴿ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ ﴾ [يونس : ١٩] أنه لا يعاجلهم بالعذاب ﴿ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ ﴾ [يونس : ١٩] بين قوم موسى أو قومك بالعذاب المستأصل ﴿ وَإِنَّهُمْ لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ ﴾ [هود : ١١٠] من القرآن أو من العذاب ﴿ مُرِيبٍ ﴾ من أراب الرجل إذا كان ذا ريبة على الإسناد المجازي ﴿ وَإِنَّ كُلا ﴾ [هود : ١١١] التنوين عوض عن المضاف إليه يعني وإن كلهم أي وإن جميع المختلفين فيه وإن مشددة ﴿ لَّمَّا ﴾ مخفف بصري وعلى، ما مزيدة جيء بها ليفصل بها بين لام إن ولام ﴿ لَيُوَفِّيَنَّهُمْ ﴾ وهو جواب قسم محذوف واللام في لما موطئة للقسم والمعنى وإن جميعهم والله ليوفينهم ﴿ رَبُّكَ أَعْمَـالَهُمْ ﴾ [هود : ١١١] أي جزاء أعمالهم من إيمان وجحود وحسن وقبيح.
بعكس الأولى أبو بكر، مخففان مكي ونافع على إعمال المخففة عمل الثقيلة اعتباراً لأصلها الذي هو التثقيل ولأن إن تشبه الفعل والفعل يعمل قبل الحذف وبعده نحو لم يكن ولم يك فكذا المشبه به مشددتان غيرهم وهو مشكل وأحسن ما قيل فيه أنه من لممت الشيء جمعته لمَّا ثم وقف فصار لما ثم أجرى الوصل مجرى الوقوف وجاز أن يكون مثل الدعوى والشروى وما فيه ألف التأنيث من المصادر وقرأ الزهري وإن كلا لما بالتنوين كقوله :﴿ أَكْلا لَّمًّا ﴾ [الفجر : ١٩].
وهو يؤيد ما ذكرنا والمعنى وإن كلا ملمومين أي مجموعين كأنه قيل وإن كلا جميعاً كقوله ﴿ فَسَجَدَ الْمَلَـائكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴾ [الحجر : ٣٠] وقال صاحب الإيجاز لما فيه معنى الظرف وقد دخل في الكلام اختصار كأنه قيل وإن
٢٩٦
كلا لما بعثوا ليوفينهم ربك أعمالهم وقال الكسائي ليس لي بتشديد لما علم ﴿ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [هود : ١١١]
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٩٦