فأمري صبر جميل أو فصبر جميل أجمل وهو ما لا شكوى فيه إلى الخلق ﴿ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ﴾ [يوسف : ١٨] أي استعينه ﴿ عَلَى ﴾ احتمال ﴿ مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف : ١٨] من هلاك يوسف والصبر على الرزء فيه
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٠٨
﴿ وَجَآءَتْ سَيَّارَةٌ ﴾ [يوسف : ١٩] رفقة تسير من قبل مدين إلى مصر وذلك بعد ثلاثة أيام من إلقاء يوسف في الجب فأخطأوا الطريق فنزلوا قريباً منه وكان الجب في قفرة بعيدة من العمران وكان ماؤه ملحاً فعذب حين ألقى فيه يوسف ﴿ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ ﴾ [يوسف : ١٩] هو الذي يرد الماء ليستقي للقوم اسمه مالك بن ذعر الخزاعي ﴿ فَأَدْلَى دَلْوَهُ ﴾ [يوسف : ١٩] أرسل الدلو ليملأَها فتشبث يوسف بالدلو فنزعوه ﴿ قَالَ يَـا ءادَمُ أَنابِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ ﴾ [البقرة : ٣٣-٥٧] كوفي نادى البشرى كأنه يقول تعالي فهذا أوانك غيرهم بشراى على إضافتها لنفسه أو هو اسم غلامه فناداه مضافاً إلى نفسه ﴿ هَـاذَا غُلَـامٌ ﴾ [يوسف : ١٩] قيل ذهب به فلما دنا من أصحابه صاح بذلك يبشرهم به ﴿ وَأَسَرُّوهُ ﴾ الضمير للوارد وأصحابه أخفوه من الرفقة أو لأخوة يوسف فإنهم قالوا للرفقة هذا غلام لنا قد أبق فاشتروه منا وسكت يوسف مخافة أن يقتلوه ﴿ بِضَـاعَةً ﴾ حال أي أخفوه متاعاً للتجارة والبضاعة ما بضع من المال للتجارة أي قطع ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمُ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ [يوسف : ١٩] بما يعمل أخوة يوسف بأبيهم وأخيهم من سوء الصنيع ﴿ وَشَرَوْهُ ﴾ وباعوه ﴿ بِثَمَنٍ بَخْسٍ ﴾ [يوسف : ٢٠] مبخوس ناقص عن القيمة نقصاناً ظاهراً أو زيف ﴿ دَرَاهِمَ ﴾ بدل من ثمن ﴿ مَعْدُودَةٍ ﴾ قليلة تعد عداً ولا توزن لأنهم كانوا يعدون ما دون الأربعين ويزنون الأربعين وما فوقها وكانت عشرين درهماً ﴿ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزاَّهِدِينَ ﴾ [يوسف : ٢٠] ممن يرغب عما في يده فيبيعه بالثمن الطفيف أو معنى وشروه واشتروه يعني الرفقة من إخوته وكانوا فيه من الزاهدين أي غير راغبين لأنهم اعتقدوا أنه آبق ويروى أن إخوته اتبعوهم وقالوا استوثقوا منه لا يأبق وفيه ليس من صلة الزاهدين أي غير راغبين لأن الصلة لا تتقدم على الموصول وإنما هو بيان كأنه قيل في أي شيء زهدوا فقال زهدوا فيه
٣٠٩
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٠٩
﴿ وَقَالَ الَّذِى اشْتَرَاـاهُ مِن مِّصْرَ ﴾ [يوسف : ٢١] هو قطفير وهو العزيز الذي كان على خزائن مصر والملك يومئذ الريان بن الوليد وقد آمن بيوسف ومات في حياته واشتراه العزيز بزنته ورقاً وحريراً ومسكاً وهو ابن سبع عشرة سنة وأقام سنة في منزله ثلاث عشرة سنة واستوزره ريان بن الوليد وهو ابن ثلاثين سنة وآتاه الله الحكمة والعلم وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وتوفي وهو ابن مائة وعشرين سنة ﴿ لامْرَأَتِهِ ﴾ راعيل أو زليخاً واللام متعلقة بقال لا باشتراه ﴿ أَكْرِمِى مَثْوَاـاهُ ﴾ [يوسف : ٢١] اجعلي منزله ومقامه عندنا كريماً أي حسنا مرضياً بدليل قوله إنه ربي أحسن مثواي وعن الضحاك بطيب معاشه ولين لباسه ووطىء فراشه ﴿ عَسَى أَن يَنفَعَنَآ ﴾ [يوسف : ٢١] عله إذا تدرب وراض الأمور وفهم مجاريها نستظهر به على بعض ما نحن بسبيله ﴿ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ﴾ [يوسف : ٢١] أو نتبناه ونقيمه مقام الولد وكان قطفير عقيماً وقد تفرس فيه الرشد فقال ذلك ﴿ وَكَذالِكَ ﴾ إشارة إلى ما تقدم من أنجائه وعطف قلب العزيز عليه والكاف منصوب تقديره ومثل ذلك الانجاء والعطف ﴿ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ ﴾ [يوسف : ٢١] أي كما أنجيناه وعطَّفنا عليه العزيز كذلك مكنا له ﴿ فِى الارْضِ ﴾ [السجدة : ١٠] أي أرض مصر وجعلناه ملكاً يتصرف فيها بأمره ونهيه ﴿ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الاحَادِيثِ ﴾ [يوسف : ٢١] كان ذلك الإنجاء والتمكين ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ﴾ [يوسف : ٢١] لا يمنع عما شاء أو على أمر يوسف بتبليغه ما أراد له دون ما أراد إخوته ﴿ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف : ١٨٧] ذلك ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ ﴾ [يوسف : ٢٢] منتهى اشتداد قوته وهو ثمان عشرة سنة أو إحدى وعشرون ﴿ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذالِكَ ﴾ [يوسف : ٢٢] حكمة وهو العلم مع العمل واجتناب ما يجهل فيه أو حكماً بين الناس وفقهاً ﴿ وَكَذالِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأنعام : ٨٤] تنبيه على أنه كان محسناً في عمله
٣١٠


الصفحة التالية
Icon