الحزين وتوسع على الفقير فأحسن إلينا بتأويل ما رأينا وقيل إنهما تحالما له ليمتحناه فقال الشرابي : إني رأيت كأني في بستان فإذا بأصل حبلة عليها ثلاثة عناقيد من عنب فقطفتها وعصرتها في كأس الملك وسقيقته، وقال الخباز : إني رأيت كأن فوق رأسي ثلاث سلال فيها أنواع الأطعمة فإذا سباع الطير تنهش منها
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣١٧
﴿ قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ ﴾ [يوسف : ٣٧] أي لبيان ماهيته وكيفيته لأن ذلك يشبه تفسير المشكل ﴿ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ﴾ [يوسف : ٣٧] ولما استعبراه ووصفاه بالإحسان افترص ذلك فوصل به وصف نفسه بما هو فوق علم العلماء وهو الأخبار بالغيب وأنه ينبئهما بما يحمل إليهما من الطعام في السجن قبل أن يأتيهما ويصفه لهما ويقول اليوم يأتيكما طعام من صفته كيت وكيت فيكون كذلك وجعل ذلك تخلصاً إلى أن يذكر لهما التوحيد ويعرض عليهما الإيمان ويزينه لهما ويقبح إليهما الشرك وفيه أن العالم إذا جهلت منزلته في العلم فوصف نفسه بما هو بصدده، وغرضه أن يقتبس منه لم يكن من باب التزكية ﴿ ذَالِكُمَا ﴾ إشارة لهما إلى التأويل أي ذلك التأويل والإخبار بالمغيبات ﴿ مِمَّا عَلَّمَنِى رَبِّى ﴾ [يوسف : ٣٧] وأوحى به إلي ولم أقله عن تكهن وتنجم ﴿ إِنِّى تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالاخِرَةِ هُمْ كَـافِرُونَ ﴾ [يوسف : ٣٧] يجوز أن يكون كلاماً مبتدأ وأن يكون تعليلاً لما قبله أي علمني ذلك وأوحى به إلي لأني رفضت ملة أولئك وهم أهل مصر ومن كان الفتيان على دينهم ﴿ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ ءَابَآءِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ ﴾ [يوسف : ٣٨] وهي الملة الحنيفية وتكريرهم للتوكيد وذكر الآباء ليريهما أنه من بيت النبوة بعد أن عرفهما أنه نبي يوحى إليه بما ذكر من إخباره بالغيوب ليقوي رغبتهما في اتباع قوله والمراد به ترك الابتداء لا أنه كان فيه ثم تركه ﴿ مَا كَانَ لَنَآ ﴾ [يوسف : ٣٨] ما صح لنا معشر الأنبياء
٣١٨
﴿ أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَىْءٍ ﴾ [يوسف : ٣٨] أي شيء كان صنماً أو غيره ثم قال :﴿ ذَالِكَ ﴾ التوحيد ﴿ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ﴾ [يوسف : ٣٨] فضل الله فيشركون به ولا ينتهون
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣١٨
﴿ يَشْكُرُونَ * يَـاصَـاحِبَىِ السِّجْنِ ﴾ يا ساكني السجن كقوله : أصحاب النار وأصحاب الجنة ﴿ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا ﴾ [يوسف : ٣٩، ٤٠] يريد التفرق في العدد والتكاثر أي أن تكون أرباب شتى يستعبدكما هذا ويستعبدكما هذا خير لكما أم يكون لكما رب واحد قهار لا يغالب ولا يشارك في الربوبية وهذا مثل ضربه لعبادة الله وحده ولعبادة الأصنام ﴿ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ [الشعراء : ٧٠] خطاب لهما ولمن كان على دينهما من أهل مصر ﴿ مِن دُونِهِ ﴾ [يس : ٢٣] من دون الله ﴿ إِلَّا أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم ﴾ [يوسف : ٤٠] أي سميتم مالا يستحق الإلهية آلهة ثم طفقتم تعبدونها فكأنكم لا تعبدون إلا أسماء لا مسميات لها، ومعنى سميتموها سميتم بها يقال سميته زيداً وسميته يزيد ﴿ مَّآ أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا ﴾ [يوسف : ٤٠] بتسميتها ﴿ مِن سُلْطَـانٍ ﴾ [إبراهيم : ٢٢] حجة ﴿ إِنِ الْحُكْمُ ﴾ [يوسف : ٤٠] في أمر العبادة والدين ﴿ إِلا لِلَّهِ ﴾ [يوسف : ٤٠] ثم بين ما حكم به فقال ﴿ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَالِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾ [يوسف : ٤٠] الثابت الذي دلت عليه البراهين ﴿ وَلَـاكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف : ١٨٧] وهذا يدل على أن العقوبة تلزم العبد وإن جهل إذا أمكن له العلم بطريقة، ثم عبر الرؤيا فقال ﴿ يَعْلَمُونَ * يَـاصَـاحِبَىِ السِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا ﴾ يريد الشرابي ﴿ فَيَسْقِى رَبَّهُ ﴾ [يوسف : ٤١] سيده ﴿ خَمْرًا ﴾ أي يعود إلى عمله ﴿ وَأَمَّا الاخَرُ ﴾ [يوسف : ٤١] أي الخباز ﴿ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ ﴾ [يوسف : ٤١] روى أنه قال للأول : ما رأيت من الكرمة وحسنها هو الملك وحسن حالك عنده وأما القضبان الثلاثة فإنها ثلاثة أيام تمضي في السجن ثم تخرج وتعود إلى ما كنت
٣١٩