الثانية ليتقارب الحرفين وعن الحسن واذكر وجهه أنه قلب التاء ذالاً وأدغم أي تذكر يوسف وما شاهد منه ﴿ بَعْدَ أُمَّةٍ ﴾ [يوسف : ٤٥] بعد مدة طويلة وذلك أنه حين استفتى الملك في رؤياه وأعضل على الملك تأويلها تذكر الناجي يوسف وتأويله رؤياه ورؤيا صاحبه وطلبه إليه أن يذكره عندالملك ﴿ أَنَا أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ ﴾ [يوسف : ٤٥] أنا أخبركم به عمن عنده علمه ﴿ فَأَرْسِلُونِ ﴾ وبالياء يعقوب أي فابعثوني إليه لأسأله فأرسلوه إلى يوسف فأتاه فقال :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٢١
﴿ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ ﴾ [يوسف : ٤٦] أيها البليغ في الصدق وإنما قال له ذلك لأنه ذاق وتعرف صدقه في تأويل رؤياه ورؤيا صاحبه حيث جاء كما أوَّل ﴿ أَفْتِنَا فِى سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنابُلَـاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَـاتٍ لَّعَلِّى أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ ﴾ [يوسف : ٤٦] إلى الملك وأتباعه ﴿ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف : ٤٦] فضلك ومكانك من العلم فيطلبوك ويخلصوك من محنتك ﴿ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ ﴾ [يوسف : ٤٧] هو خبر في معنى الأمر كقوله :﴿ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ ﴾ [النساء : ٥٩] ﴿ وَتُجَـاهِدُونَ ﴾.
دليله قوله فذروه في سنبله وإنما يخرج الأمر في صورة الخبر للمبالغة في وجود المأمور به فيجعل كأنه موجود فهو يخبر عنه ﴿ دَأَبًا ﴾ بسكون الهمزة وحفص يحركه وهما مصدراً دأب في العمل وهو حال من المأمورين أي دائبين ﴿ فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنابُلِهِ ﴾ [يوسف : ٤٧] كي لا يأكله السوس ﴿ إِلا قَلِيلا مِّمَّا تَأْكُلُونَ ﴾ [يوسف : ٤٧] في تلك السنين ﴿ ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذَالِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ ﴾ [يوسف : ٤٨] هو من إسناد المجاز جعل
٣٢٢
كل أهلهن مسنداً إليهن ﴿ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ ﴾ [يوسف : ٤٨] أي في السنين المخصبة ﴿ إِلا قَلِيلا مِّمَّا تُحْصِنُونَ ﴾ [يوسف : ٤٨]تحرزون وتخبئون
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٢٢
﴿ ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذَالِكَ عَامٌ ﴾ [يوسف : ٤٩] أي من بعد أربع عشرة سنة عام ﴿ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ ﴾ [يوسف : ٤٩] من الغوث أي يجاب مستغيثهم أو من الغيث أي يمطرون يقال غيثت البلاد إذا مطرت ﴿ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾ [يوسف : ٤٩] العنب والزيتون والسمسم فيتخذون الأشربة والأدهان.
تعصرون حمزة فأول البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخاصيب.
والعجاف واليابسات بسنين مجدبة ثم بشرهم بعد الفراغ من تأويل الرؤيا بأن العام الثامن يجيء مباركاً كثير الخير غزير النعم وذلك من جهة الوحي ﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِى بِهِ فَلَمَّا جَآءَهُ الرَّسُولُ ﴾ [يوسف : ٥٠] ليخرجه من السجن ﴿ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ ﴾ [يوسف : ٥٠] أي الملك ﴿ فَسْـاَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ ﴾ [يوسف : ٥٠] أي حال النسوة ﴿ الَّـاتِى قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ﴾ [التحريم : ١٢-٥٠] إنما تثبت يوسف وتأنى في إجابة الملك وقدم سؤال النسوة ليظهر براءة ساحته عمارمي به وسجن فيه لئلا يتسلق به الحاسدون إلى تقبيح أمره عنده ويجعلوه سلماً إلى حط منزلته لديه ولئلا يقولوا ما خلد في السجن سبع سنين إلا لأمر عظيم وجرم كبير وفيه دليل على أن الاجتهاد في نفي التهم واجب وجوب اتقاء الوقوف في مواقفها وقال عليه السلام " لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان ولو كنت مكانه ما أخبرتهم حتى أشترط أن يخرجوني ولقد عجبت منه حين أتاه الرسول فقال ارجع إلى ربك ولو كنت مكانه ولبثت في السجن ما لبث لأسرعت الإجابة وبادرت الباب ولما ابتغيت العذر إن كان لحليماً ذا أناة " ومن كرمه وحسن أدبه أنه لم يذكر سيدته مع ما صنعت به وتسببت فيه من السجن والعذاب واقتصر على ذكر المقطعات أيديهن ﴿ إِنَّ رَبِّى بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف : ٥٠] أي إن كيدهن عظيم لا يعلمه إلا الله وهوم مجازيهن عليه.
فرجع الرسول إلى الملك من عند يوسف برسالته فدعا الملك النسوة
٣٢٣
المقطعات أيديهن ودعا امرأة العزيز ثم
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٢٣


الصفحة التالية
Icon