﴿ وَسْـاَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِى كُنَّا فِيهَا ﴾ [يوسف : ٨٢] يعني مصر أي أرسل إلى أهلها فاسألهم من كنه القصة ﴿ وَالْعِيْرَ الَّتِى أَقْبَلْنَا فِيهَا ﴾ [يوسف : ٨٢] وأصحاب العير وكانوا قوماً من كنعان من جيران يعقوب عليه السلام ﴿ وَإِنَّا لَصَـادِقُونَ ﴾ [الأنعام : ١٤٦] في قولنا فرجعوا إلى أبيهم وقالوا له ما قال لهم أخوهم ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ﴾ [يوسف : ١٨] أردتموه وإلا فمن أدرى ذلك الرجل أن السارق يسترق لولا فتواكم وتعليمكم ﴿ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعًا ﴾ [يوسف : ٨٣] بيوسف وأخيه وكبيرهم ﴿ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ ﴾ [يوسف : ٨٣] بحالي في الحزن والأسف ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ الذي لم يبتلني بذلك إلا لحكمة ﴿ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ ﴾ [يوسف : ٨٤] وأعرض عنهم كراهة لما جاؤوا به ﴿ وَقَالَ يَـا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ ﴾ [يوسف : ٨٤] أضاف الأسف وهو أشد الحزن والحسرة إلى نفسه والألف بدل من ياء الإضافة والتجانس بين الأسف ويوسف غير متكلف ونحوه ﴿ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الارْضِ أَرَضِيتُم ﴾ [التوبة : ٣٨].
﴿ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْـاَوْنَ عَنْهُ ﴾ [الأنعام : ٢٦] و ﴿ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف : ١٠٤].
﴿ مِن سَبَإ بِنَبَإٍ ﴾ [النمل : ٢٢].
وإنما تأسف دون أخيه وكبيرهم لتمادي أسفه على يوسف دون الآخرين وفيه دليل على أن الرزء فيه مع تقادم عهده كان غضاً عنده طرياً ﴿ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ ﴾ [يوسف : ٨٤] إذ كثر الاستعبار ومحقت العبرة سواد العين وقلبته إلى بياض كدر وقيل قد عمى بصره وقيل كان قد يدرك إدراكاً ضعيفاً ﴿ مِنَ الْحُزْنِ ﴾ [يوسف : ٨٤] لأن الحزن سبب
٣٣٥
البكاء الذي حدث منه البياض فكأنه حدث من الحزن قيل ما جفت عينا يعقوب من وقت فراق يوسف إلى حين لقائه ثمانين عاماً وما على وجه الأرض أكرم على الله من يعقوب ويجوز للنبي عليه السلام أن يبلغ به الجزع ذلك المبلغ لأن الإنسان مجبول على أن لا يملك نفسه عند الحزن فلذلك حمد صبره ولقد بكى رسول الله صلى الله عليه وسلّم على ولده إبراهيم، وقال :" القلب يجزع والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون " وإنما المذموم الصياح والنياحة ولطم الصدور والوجوه وتمزيق الثياب ﴿ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [يوسف : ٨٤] مملوء من الغيظ على أولاده ولا يظهر ما يسوؤهم فعيل بمعنى مفعول بدليل قوله ﴿ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ ﴾ [القلم : ٤٨] من كظم السقاء إذا شده على ملئه
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٣٥
﴿ قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا ﴾ [يوسف : ٨٥] أي لا تفتأ فحذف حرف النفي لأنه لا يلتبس إذ لو كان إثباتاً لم يكن بد من اللام والنون ومعنى لا تفتأ لا تزال ﴿ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا ﴾ [يوسف : ٨٥] مشفياً على الهلاك مرضاً ﴿ أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَـالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُوا بَثِّى وَحُزْنِى إِلَى اللَّهِ ﴾ البث أصعب الهم الذي لا يصبر عليه صاحبه فيبثه إلى الناس أي بنشره أي لا أشكو إلى أحد منكم ومن غيركم إنما أشكو إلى ربي داعياً له وملتجئاً إليه فخلوني وشكايتي وروى أنه أوحى إلى يعقوب إنما وجدت عليكم لأنكم ذبحتم شاة فوقف ببابكم مسكين فلم تطعموه وإن أحب خلقي إليّ الأنبياء ثم المساكين فاصنع طعاماً وادع عليه المساكين وقيل اشترى جارية مع ولدها فباع ولدها فبكت حتى عميت ﴿ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف : ٦٢] وأعلم من رحمته أنه يأتيني بالفرج من حيث لا أحتسب، وروى أنه رأى ملك الموت في منامه فسأله هل قبضت روح يوسف فقال : لا والله هو حي فاطلبه وعلمه هذا الدعاء ياذا المعروف الدائم الذي لا ينقطع معروفه أبداً ولا يحصيه غيرك فرج عني
٣٣٦
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٣٦