﴿ تَعْلَمُونَ * يَـابَنِىَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ ﴾ فتعرفوا منهما وتطلبوا خبرهما وهو تفعل من الإحساس وهو المعرفة ﴿ وَلا تَا يـاَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ ﴾ [يوسف : ٨٧] ولا تقنطوا من رحمة الله وفرجه ﴿ إِنَّهُ ﴾ إن الأمر والشأن ﴿ لا يَا يْـاَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَـافِرُونَ ﴾ [يوسف : ٨٧] لأن من آمن يعلم أنه متقلب في رحمة الله ونعمته وأما الكافر فلا يعرف رحمة الله ولا تقلبه في نعمته فييأس من رحمته فخرجوا من عند أبيهم راجعين إلى مصر ﴿ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ ﴾ [يوسف : ٨٨] علي يوسف ﴿ قَالُوا يَـا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ ﴾ الهزال من الشدة والجوع ﴿ وَجِئْنَا بِبِضَـاعَةٍ مُّزْجَـاـاةٍ ﴾ [يوسف : ٨٨] مدفوعة يدفعها كل تاجر رغبة عنها واحتقاراً لها من أزجيته إذا دفعته وطردته قيل كان دراهم زيوفاً لا تؤخذ إلا بوضيعة وقيل كانت صوفاً وسمنا ﴿ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ ﴾ [يوسف : ٨٨] الذي هو حقنا ﴿ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ ﴾ [يوسف : ٨٨] وتفضل علينا بالمسامحة والإغماض عن رداءة البضاعة أوزدنا على حقنا أوهب لنا أخانا ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِى الْمُتَصَدِّقِينَ ﴾ [يوسف : ٨٨] ولما قالوا مسنا وأهلنا الضر وتضرعوا إليه وطلبوا منه أن يتصدق عليهم أرفضت عيناه ولم يتمالك أن عرفهم نفسه حيث قال :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٣٧
﴿ قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ ﴾ [يوسف : ٨٩] أي هل علمتم قبح ما فعلتم بيوسف ﴿ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَـاهِلُونَ ﴾ [يوسف : ٨٩] لا تعلمون قبحه أو إذ أنتم في حد السفه والطيش وفعلهم بأخيه تعريضهم إياه للغم بإفراده عن أخيه لأبيه وأمه وإيذاؤهم له بأنواع الأذى ﴿ قَالُوا ﴾ بهمزتين كوفي وشامي ﴿ أَءِنَّكَ لانتَ يُوسُفُ ﴾ [يوسف : ٩٠] اللام لام الابتداء وأنت مبتدأ ويوسف خبره والجملة خبران ﴿ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَـاذَآ أَخِى ﴾ [يوسف : ٩٠] وإنما ذكر أخاه وهم قد سألوه عن نفسه لأنه كان في ذكر أخيه بيان لما سألوه عنه
٣٣٧
﴿ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَآ ﴾ [يوسف : ٩٠] بالألفة بعد الفرقة وذكر نعمة الله بالسلامة والكرامة ولم يبدأ بالملامة ﴿ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ ﴾ [يوسف : ٩٠] الفحشاء ﴿ وَيَصْبِرْ ﴾ عن المعاصي وعلى الطاعة ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [هود : ١١٥] أي أجرهم فوضع المحسنين موضع الضمير لاشتماله على المتقين والصابرين وقيل من يتق مولاه ويصبر على بلواه لا يضيع أجره في دنياه وعقباه
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٣٧
﴿ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ ءَاثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا ﴾ [يوسف : ٩١] اختارك وفضلك علينا بالعلم والحلم والتقوى والصبر والحسن ﴿ وَإِن كُنَّا لَخَـاطِاِينَ ﴾ [يوسف : ٩١] وإن شأننا وحالنا أنا كنا خاطئين معتمدين للإثم لم نتق ولم نصبر لا جرم أن الله أعزك بالملك وأذلنا بالتمسكن بين يديك ﴿ قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ﴾ [يوسف : ٩٢] لا تعيير عليكم ﴿ الْيَوْمَ ﴾ متعلق بالتثريب أو بيغفر والمعنى لا أثر بكم اليوم وهو اليوم الذي هو مظنة التثريب فما ظنكم بغيره من الأيام ثم ابتدأ فقال ﴿ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ [النور : ٢٢] فدعا لهم بمغفرة ما فرط منهم يقال غفر الله لك ويغفر لك على لفظ الماضي والمضارع أو اليوم يغفر الله لكم بشارة بعاجل غفران الله وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أخذ بعضادتي باب الكعبة يوم الفتح فقال لقريش " ما ترونني فاعلاً بكم " قالوا نظن خيراً أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت فقال :" أقول ما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم " وروى أن أبا سفيان لما جاء ليسلم قال له العباس إذا أتيت رسول الله فاتل عليه قال لا تثريب عليكم اليوم ففعل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :" غفر الله لك ولمن علمك " ويروى أن أخوته لما عرفوه أرسلوا إليه أنك تدعونا إلى طعامك بكرة وعشياً
٣٣٨