ماضية.
والملكوت أبلغ من الملك لأن الواو والتاء تزادان للمبالغة.
قال مجاهد : فرجت له السموات السبع فنظر إلى ما فيهن حتى انتهى نظره إلى العرش، وفرجت له الأرضون السبع حتى نظر إلى ما فيهن ﴿ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴾ [الأنعام : ٧٥] فعلنا ذلك أو ليستدل، وليكون من الموقنين عياناً كما أيقن بياناً ﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الَّيْلُ ﴾ [الأنعام : ٧٦] أي أظلم وهو عطف على ﴿ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لابِيهِ ﴾ [الأنعام : ٧٤] وقوله :﴿ وَكَذَالِكَ نُرِى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الأنعام : ٧٥] جملة اعتراضية بين المعطوف والمعطوف عليه ﴿ رَءَا كَوْكَبًا ﴾ أي الزهرة أو المشتري، وكان أبوه وقومه يعبدون الأصنام والشمس والقمر والكواكب، فأراد أن ينبههم على الخطأ في دينهم وأن يرشدهم إلى طريق النظر والاستدلال، ويعرفهم أن النظر الصحيح مؤد إلى أن شيئاً منها ليس بإله لقيام دليل الحدوث فيها، ولأن لها محدثاً أحدثها ومدبراً دبر طلوعها وأفولها وانتقالها ومسيرها وسائر أحوالها.
فلما رأى الكوكب الذي كانوا يعبدونه ﴿ قَالَ هَـاذَا رَبِّى ﴾ [الأنعام : ٧٦] أي قال لهم هذا ربي في زعمكم، أو المراد أهذا استهزاء بهم وإنكاراً عليهم، والعرب تكتفي عن حرب الاستفهام بنغمة الصوت.
والصحيح أن هذا قول من ينصف خصمه مع علمه أنه مبطل فيحكي قوله كما هو غير متعصب لمذهبه لأنه أدعى إلى الحق وأنجى من الشغب، ثم يكر عليه بعد حكايته فيبطله بالحجة ﴿ فَلَمَّآ أَفَلَ ﴾ [الأنعام : ٧٧] غاب ﴿ قَالَ لا أُحِبُّ الافِلِينَ ﴾ [
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٧
الأنعام : ٧٦] أي لا أحب عبادة الأرباب المتغيرين عن حال إلى حال لأن ذلك من صفات الأجسام ﴿ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسْتَقِرًّا ﴾ مبتدئاً في الطلوع ﴿ قَالَ هَـاذَا رَبِّى فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَـاـاِن لَّمْ يَهْدِنِى رَبِّى لاكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّآلِّينَ ﴾ [الأنعام : ٧٧] نبه قومه على أن من اتخذ القمر إلهاً فهو ضال، وإنما احتج عليهم بالأفول دون البزوغ وكلاهما انتقال من حال إلى حال لأن الاحتجاج به أظهر لأنه انتقال مع خفاء واحتجاب ﴿ فَلَمَّا رَءَا الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـاذَا رَبِّى ﴾ وإنما ذكره لأنه أراد الطالع، أو
٣٠
لأنه جعل المبتدأ مثل الخبر لأنهما شيء واحد معنى، وفيه صيانة الرب عن شبهة التأنيث ولهذا قالوا في صفات الله تعالى علام ولم يقولوا علامة وإن كان الثاني أبلغ تفادياً من علامة التأنيث ﴿ هَـاذَآ أَكْبَرُ ﴾ [الأنعام : ٧٨] من باب استعمال النصفة أيضاً مع خصومه ﴿ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يَـاقَوْمِ إِنِّى بَرِى ءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ من الأجرام التي تجعلونها شركاء لخالقها.
وقيل : هذا كان نظره واستدلاله في نفسه فحكاه الله تعالى، والأول أظهر لقوله ﴿ قَالَ يَـاقَوْمِ إِنِّى بَرِى ءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ ﴿ إِنِّى وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ ﴾ [الأنعام : ٧٩] أي للذي دلت هذه المحدثات على أنه منشئها ﴿ حَنِيفًا ﴾ حال أي مائلاً عن الأديان كلها إلى الإسلام ﴿ وَمَآ أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام : ٧٩] بالله شيئاً من خلقه.
﴿ وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ ﴾ [الأنعام : ٨٠] في توحيد الله تعالى ونفى الشركاء عنه ﴿ قَالَ أَتُحَـاجُّوانِّى فِى اللَّهِ ﴾ [الأنعام : ٨٠] في توحيده.
مدني وابن ذكوان ﴿ وَقَدْ ﴾ إلى التوحيد، وبالياء في الوصل : أبو عمرو.
ولما خوفوه أن معبوداتهم تصيبه بسوء قال ﴿ هَدَاـانِ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلا أَن يَشَآءَ رَبِّى شيئا ﴾ [الأنعام : ٨٠] أي لا أخاف معبوداتكم في وقت قط لأنها لا تقدر على منفعة ولا مضرة إلا إذا شاء ربي أن يصيبني منها بضر، فهو قادر على أن يجعل فيما شاء نفعاً وفيما شاء ضراً لا الأصنام ﴿ وَسِعَ رَبِّى كُلَّ شَىْءٍ عِلْمًا ﴾ [الأنعام : ٨٠] فلا يصيب عبداً شيء من ضر أو نفع إلا بعلمه ﴿ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام : ٨٠] فتميزوا بين القادر والعاجز ﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ ﴾ [الأنعام : ٨١] معبوداتكم وهي مأمونة الخوف ﴿ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ ﴾ [الأنعام : ٨١] بإشراكه ﴿ عَلَيْكُمْ سُلْطَـانًا ﴾ [الأنعام : ٨١] حجة إذ
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٧


الصفحة التالية
Icon