﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ﴾ [الرعد : ٦] بالنقمة قبل العافية وذلك أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يأتيهم بالعذاب استهزاء منهم بإنذاره ﴿ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ ﴾ أي عقوبات أمثالهم من المكذبين فمالهم لم يعتبروا بها فلا يستهزئوا والمثلة العقوبة لما بين العقاب والمعاقب عليه من المماثلة.
﴿ يَنتَصِرُونَ * وَجَزَاؤُا سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾ [الشورى : ٤٠] ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ ﴾ [الرعد : ٦] أي مع ظلمهم أنفسهم بالذنوب ومحله الحال أي ظالمين لأنفسهم قال السدي يعني المؤمنين وهي أرجى آية في كتاب الله حيث ذكر المغفرة مع الظلم وهو بدون التوبة فإن التوبة تزيلها وترفعها ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الرعد : ٦] على الكافرين أو هما جميعاً في المؤمنين لكنه معلق بالمشيئة فيهما أي يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ ﴾ [الرعد : ٧] لم يعتدوا بالآيات المنزلة على رسول الله صلى الله عليه وسلّم عناداً فاقترحوا نحو آيات موسى وعيسى من انقلاب العصا حية وإحياء الموتى فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ﴿ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ ﴾ [النازعات : ٤٥] إنما أنت رجل أرسلت منذراً مخوفاً لهم من سوء العاقبة وناصحاً كغيرك من الرسل وما عليك إلا الإتيان بما يصح به أنك رسول منذر وصحة ذلك حاصلة بأي آية كانت والآيات كلها سواء في حصول صحة الدعوى بها ﴿ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ [الرعد : ٧] من الأنبياء يهديهم إلى الدين ويدعوهم إلى الله بآية خص بها لا بما يريدون ويتحكمون ﴿ اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الارْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ﴾ [الرعد : ٨] ما في هذه
٣٤٩
المواضع الثلاثة موصولة أي يعلم ما تحمله من الولد على أي حال هو من ذكورة وأنوثة وتمام وخداج وحسن وقبح وطول وقصر وغيره ذلك وما تغيضه الأرحام أي ويعلم ما تنقصه يقال غاض الماء وغضته أنا وما تزداده والمراد عدد الولد فإنها تشتمل على واحد واثنين وثلاثة وأربعة أوجسد الولد فإنه يكون تاماً ومخدجاً أو مدة الولادة فإنها تكون أقل من تسعة أشهر وأزيد عليها إلى سنتين عندنا وإلى أربع عند الشافعي وإلى خمس عند مالك أو مصدرية أي يعلم حمل كل أثنى ويعلم غيض الأرحام وازديادها ﴿ وَكُلُّ شَىْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾ [الرعد : ٨] بقدر وحدِّ لا يجازوه ولا ينقص عنه لقوله :﴿ إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَـاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر : ٤٩]
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٤٩
﴿ عَـالِمُ الْغَيْبِ ﴾ [الجن : ٢٦] ما غاب عن الخلق ﴿ وَالشَّهَـادَةِ ﴾ ما شاهدوه ﴿ الْكَبِيرُ ﴾ العظيم الشأن الذي كل شيء دونه ﴿ الْمُتَعَالِ ﴾ المستعلي على كل شيء بقدرته أو الذي كبر عن صفات المخلوقين وتعالى عنها وبالياء في الحالين مكي ﴿ سَوَآءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ ﴾ [الرعد : ١٠] أي في علمه ﴿ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ ﴾ [الرعد : ١٠] متوار ﴿ وَسَارِبُ بِالنَّهَارِ ﴾ [الرعد : ١٠] ذاهب في سربه أي في طريقه ووجهه يقال سرب في الأرض سروباً.
وسارب عطف على من هو مستخف لا على مستخف أو على مستخف غير أن من في معنى الاثنين والضمير في ﴿ لَهُ ﴾ مردود على من كأنه قيل لمن أسر ومن جهر ومن استخفى ومن سرب ﴿ مُعَقِّبَـاتٌ ﴾ جماعات من الملائكة تعتقب في حفظه والأصل معتقبات فأدغمت التاء في القاف أو هو مفعلات من عقبه إذا جاء في عقبه لأن بعضهم يعقب بعضاً أو لأنهم يعقبون ما يتكلم به فيكتبونه ﴿ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ﴾ [الرعد : ١١] أي قدامه ووراءه ﴿ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [الرعد : ١١] هما صفتان جميعاً وليس من أمر الله بصلة للحفظ كأنه قيل له معقبات من أمر الله أو يحفظونه من أجل أمر الله
٣٥٠