دعوة حق وعلى الأول وعيد للكفرة على مجادلتهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم بحلول محاله بهم وإجابة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيهم إن دعا عليهم ﴿ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ ﴾ [النحل : ٢٠] ﴿ مِّن دُونِهِ ﴾ [يس : ٢٣] من دون الله ﴿ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَىْءٍ ﴾ [الرعد : ١٤] من طلباتهم ﴿ إِلا كَبَـاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ ﴾ [الرعد : ١٤] الاستثناء من المصدر أي من الاستجابة التي دل عليها لا يستجيبون لأن الفعل بحروفه يدل على المصدر وبصيغته على الزمان وبالضرورة على المكان والحال فجاز استثناء كل منها من الفعل فصار التقدير لا يستجيبون استجابة إلا استجابة كاستجابة باسط كفيه إلى الماء أي كاستجابة الماء لمن بسط كفيه إليه يطلب منه أن يبلغ فاه والماء جماد لا يشعر ببسط كفيه ولا بعطشه وحاجته إليه ولا يقدر أن يجيب دعاءه ويبلغ فاه وكذلك ما يدعونه جماد لا يحس بدعائهم ولا يستطيع إجابتهم ولا يقدر على نفعهم.
واللام في ليبلغ متعلق بباسط كفيه
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٥٢
﴿ وَمَا هُوَ بِبَـالِغِهِ ﴾ [الرعد : ١٤] وما الماء يبالغ فاه ﴿ وَمَا دُعَآءُ الْكَـافِرِينَ إِلا فِى ضَلَـالٍ ﴾ [الرعد : ١٤] في ضياع لا منفعة فيه لأنهم إن دعوا الله لم يجبهم وإن دعوا الأصنام لم تستطع إجابتهم ﴿ وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ [الرعد : ١٥] سجود تعبد وانقياد ﴿ طَوْعًا ﴾ حال يعني الملائكة والمؤمنين ﴿ وَكَرْهًا ﴾ يعني المنافقين والكافرين في حال الشدة والضيق ﴿ وَظِلَـالُهُم ﴾ معطوف على من جمع ظل ﴿ بِالْغُدُوِّ ﴾ جمع غداة كقنىً وقناة ﴿ وَالاصَالِ ﴾ جمع أصل جميع أصيل قيل ظل كل شيء يسجد لله بالغدو والآصال وظل الكافر يسجد كرهاً وهو كاره وظل المؤمن يسجد طوعاً وهو طائع ﴿ قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ قُلِ اللَّهُ ﴾ [الرعد : ١٦] حكاية لاعترافهم لأنه إذا قال : لهم من رب السموات والأرض لم يكن لهم بد من أن يقولوا : الله، دليله قراءة ابن مسعود وأبي قالوا الله أو هو تلقين أي فإن لم يجيبوا فلقنهم فإنه لا جواب إلا هذا
٣٥٣
﴿ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ ﴾ [الرعد : ١٦] أبعد أن علمتموه رب السماوات والأرض اتخذتم من دونه آلهة ﴿ لا يَمْلِكُونَ لانفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا ﴾ [الرعد : ١٦] لا يستطيعون لأنفسهم أن ينفعوها أو يدفعوا ضرراً عنها فكيف يستطيعونه لغيرهم وقد آثرتموهم على الخالق الرازق المثيب المعاقب فما أبين ضلالتكم ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الاعْمَى وَالْبَصِيرُ ﴾ [الأنعام : ٥٠] أي الكافر والمؤمن أو من لا يبصر شيئاً ومن لا يخفى عليه شيء ﴿ أَمْ هَلْ تَسْتَوِى الظُّلُمَـاتُ وَالنُّورُ ﴾ ملل الكفر والإيمان.
يستوي كوفي غير حفص ﴿ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَآءَ ﴾ [الرعد : ١٦] بل أجلعوا ومعنى الهمزة الإنكار ﴿ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ ﴾ [الرعد : ١٦] خلقوا مثل خلقه وهو صفة لشركاء أي أنهم لم يتخذوا الله شركاء خالقين قد خلقوا مثل خلق الله ﴿ فَتَشَـابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ﴾ [الرعد : ١٦] فاشتبه عليهم مخلوق الله بمخلوق الشركاء حتى يقولوا قدر هؤلاء على الخلق كما قدر الله عليه فاستحقوا العبادة فنتخذهم له شركاء ونعبدهم كما يعبد ولكنهم اتخذوا له شركاء عاجزين لا يقدر عليه الخلق فضلاً أن يقدروا على ما يقدر عليه الخالق ﴿ قُلِ اللَّهُ خَـالِقُ كُلِّ شَىْءٍ ﴾ [الرعد : ١٦] أي خالق الأجسام والأعراض لا خالق غير الله ولا يستقيم أن يكون له شريك في الخلق فلا يكون له شريك في العبادة، ومن قال إن الله لم يخلق أفعال الخلق وهو خلقوها فتشابه الخلق على قولهم ﴿ وَهُوَ الْوَاحِدُ ﴾ [الرعد : ١٦] المتوحد بالربوبية ﴿ الْقَهَّـارُ ﴾ لا يغالب وما عداه مربوب ومقهور
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٥٢


الصفحة التالية
Icon