﴿ أُنزِلَ ﴾ أي الواحد القهار وهو الله سبحانه ﴿ مِنَ السَّمَآءِ ﴾ [الشعراء : ٤] من السحاب ﴿ مَآءً ﴾ مطراً ﴿ فَسَالَتْ أَوْدِيَةُ ﴾ [الرعد : ١٧] جمع واد وهو الموضع الذي يسيل فيه الماء بكثرة وإنما نكر لأن المطر لا يأتي إلا على طريق المناوبة بين البقاع فيسيل بعض أودية الأرض دون بعض ﴿ بِقَدَرِهَا ﴾ بمقدارها الذي علم الله أنه نافع للممطور عليهم ضار ﴿ فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ ﴾ [الرعد : ١٧] أي رفع ﴿ زَبَدًا ﴾ هو ما علا على وجه الماء من الرغوة والمعنى علاه زبد ﴿ رَّابِيًا ﴾ منتفخاً مرتفعاً على وجه السيل ﴿ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ ﴾ [الرعد : ١٧] بالياء كوفي غير أبي بكر ومن لابتداء الغاية أي ومنه ينشأ زبد مثل زبد الماء أو للتبعيض أي وبعضه زبد ﴿ فِى النَّارِ ﴾ [ص : ٦١] حال من الضمير في عليه أي ومما توقدون عليه ثابتاً في النار
٣٥٤
﴿ ابْتِغَآءَ حِلْيَةٍ ﴾ [الرعد : ١٧] متبغين حلية فهو مصدر في موضع الحال من الضمير في توقدون ﴿ أَوْ مَتَـاعٍ ﴾ [الرعد : ١٧] من الحديد والنحاس والرصاص يتخذ منها الأواني وما يتمتع به في الحضر والسفر وهو معطوف على حلية أي زينة من الذهب والفضة ﴿ زَبَدٌ ﴾ خبث وهو مبتدأ ﴿ مِّثْلُهُ ﴾ نعت له ومما توقدون خبر له أي لهذه الفلزّات إذا أغليت زبد مثل زبد الماء ﴿ كَذَالِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَـاطِلَ ﴾ [الرعد : ١٧] أي مثل الحق والباطل ﴿ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً ﴾ [الرعد : ١٧] حال أي متلاشياً وهو ما تقذفه القدر عند الغليان والبحر عند الطغيان والجفء الرمي وجفأت الرجل صرعته ﴿ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ ﴾ [الرعد : ١٧] من الماء والحلى والأواني ﴿ فَيَمْكُثُ فِى الارْضِ ﴾ [الرعد : ١٧] فيثبت الماء في العيون والآبار والحبوب والثمار وكذلك الجواهر تبقى في الأرض مدة طويلة ﴿ كَذالِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الامْثَالَ ﴾ [الرعد : ١٧] ليظهر الحق من الباطل وقيل هذا مثل ضربه الله للحق وأهله والباطل وحزبه فمثل الحق وأهله بالماء الذي ينزل من السماء فتسيل به أودية الناس فيحيون به وينفعهم بأنواع المنافع وبالفلز الذي ينتفعون به في صوغ الحلى منه واتخاذ الأواني والآلات المختلفات وإن ذلك ماكث في الأرض باق بقاء ظاهراً يثبت الماء في منافعه وكذلك الجواهر تبقى أزمنة متطاولة وشبه الباطل في سرعة اضمحلاله ووشك زواله بزبد السيل الذي يرمي به وبزبد الفلز الذي يطفو فوقه إذا أطيب قال الجمهور وهذا مثل ضربه الله تعالى للقرآن والقلوب والحق والباطل فالماء القرآن نزل لحياة الجنان كالماء للأبدان والأدوية للقلوب ومعنى بقدرها بقدر سعة القلب وضيقه والزبد هواجش النفس ووساوس الشيطان والماء الصافي المنتفع به مثل الحق فكما يذهب الزبد باطلاً ويبقى صفو الماء كذلك تذهب هواجس النفس ووساوس الشيطان ويبقى الحق كما هو وأما حلية الذهب والفضة فمثل للأحوال السنية والأخلاق الزكية وأما متاع الحديد والنحاس والرصاص فمثل للأعمال الممدة بالإخلاص المعدة للخلاص فإن الأعمال جالبة للثواب دافعة للعقاب كما أن تلك الجواهر بعضها أداة النفع في الكسب وبعضها آلة الدفع في الحرب وأما الزبد فالرياء والخلل والملل والكسل
٣٥٥
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٥٤