﴿ يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَآءُ ﴾ [الرعد : ٣٩] ينسخ ما يشاء نسخه ﴿ وَيُثْبِتُ ﴾ بدله ما يشاء أو يتركه غير منسوخ أو يمحو من ديوان الحفظة ما يشاء ويثبت غيره أو يمحو كفر التائبين ويثبت إيمانهم أو يميت من حان أجله وعكسه ويثبّت مدني وشامي وحمزة وعلي ﴿ وَعِندَهُا أُمُّ الْكِتَـابِ ﴾ [الرعد : ٣٩] أي أصل كل كتاب وهو اللوح المحفوظ لأن كل كائن مكتوب فيه ﴿ وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِى نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ ﴾ [الرعد : ٤٠] وكيفما دارت الحال أريناك مصارعهم وما وعدناهم من إنزال العذاب عليهم أو توفيناك قبل ذلك ﴿ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَـاغُ ﴾ [النحل : ٨٢] فيما يجب عليك إلا تبليغ الرسالة فحسب ﴿ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ ﴾ [الرعد : ٤٠] وعلينا حسابهم وجزاؤهم على أعمالهم لا عليك فلا يهمنك إعراضهم ولا تستعجل بعذابهم ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِى الارْضَ ﴾ أرض الكفرة ﴿ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ﴾ [الأنبياء : ٤٤] بما نفتح على المسلمين من بلادهم فننقص دار الحرب ونزيد في دار الإسلام وذلك من آيات النصرة والغلبة، والمعنى عليك البلاغ الذي حملته ولا تهتم بما وراء ذلك فنحن نكفيكه ونتم ما وعدناك من النصرة والظفر ﴿ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ﴾ [الرعد : ٤١] لا راد لحكمه والمعقب الذي يكر على الشيء فيبطله وحقيقته الذي يعقبه أي يقفيه أي بالرد والإبطال ومنه قيل لصاحب الحق معقب لأنه يقفي غريمه بالاقتضاء والطلب والمعنى أنه حكم للإسلام بالغلبة والإقبال وعلى الكفر بالإدبار والانتكاس، ومحل لا معقب لحكمه النصب على الحال كأنه قيل والله يحكم نافذاً حكمه كما تقول جاءني زيد لا عمامة على رأسه ولا قلنسوة له تريد حاسراً ﴿ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [الرعد : ٤١] فعما قليل يحاسبهم في الآخرة بعد عذاب الدنيا
٣٦٣
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦٣
﴿ وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ [الرعد : ٤٢] أي كفار الأمم الخالية بأنبيائهم والمكر إرادة المكروه في خفية ثم جعل مكرهم كلا مكر بالإضافة إلى مكره فقال ﴿ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا ﴾ [الرعد : ٤٢] ثم فسر ذلك بقوله ﴿ يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّـارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [النور : ٦٤-٤٢] يعني العاقبة المحمودة لأن من علم ما تكسب كل نفس وأعد لها جزاءها فهو المكر كله لأنه يأتيهم من حيث لا يعلمون وهم في غفلة عما يراد بهم الكافر.
على إرادة الجنس حجازي وأبو عمرو ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلا ﴾ [الرعد : ٤٣] المراد بهم كعب بن الأشرف ورؤساء اليهود قالوا : لست مرسلاً ولهذا قال عطاء هي مكية إلا هذه الآية ﴿ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾ [الرعد : ٤٣] بما أظهر من الأدلة على رسالتي والباء دخلت على الفاعل وشهيد تمييز ﴿ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَـابِ ﴾ [الرعد : ٤٣] قيل هو الله عز وجل، والكتاب : اللوح المحفوظ دليله قراءة من قرأ ومن عنده علم الكتاب أي ومن لدنه علم الكتاب لأن علم من علمه من فضله ولطفه، وقيل ومن همو علماء أهل الكتاب الذين أسلموا لأنهم يشهدون بنعته في كتبهم وقال ابن سلام : فيّ نزلت هذه الآية وقيل هو جبريل عليه السلام ومن في موضع الجر بالعطف على لفظ الله أو في موضع الرفع بالعطف على محل الجار والمجرور إذ التقدير كفى الله وعلم الكتاب يرتفع بالمقدر في الظرف فيكون فاعلاً لأن الظرف صلة لمن ومن هنا بمعنى الذي والتقدير من ثبت عنده علم الكتاب وهذا لأن الظرف إذا وقع صلة يعمل عمل الفعل نحو مررت بالذي في الدار أخوه فأخوه فاعل كما تقول بالذي استقر في الدار أخوه وفي القراءة بكسر ميم من يرتفع العلم بالابتداء.
٣٦٤
سورة إبراهيم
عليه السلام، مكية : اثنتان وخمسون آية

بسم الله الرحمن الرحيم



الصفحة التالية
Icon