﴿ الار كِتَـابٌ ﴾ [هود : ١] هو خبر مبتدأ محذوف أي هذا كتاب يعني السورة والجملة التي هي ﴿ أَنزَلْنَـاهُ إِلَيْكَ ﴾ [إبراهيم : ١] في موضع الرفع صفة للنكرة ﴿ لِتُخْرِجَ النَّاسَ ﴾ [إبراهيم : ١] بدعائك إياهم ﴿ مِنَ الظُّلُمَـاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ [إبراهيم : ١] من الضلالة إلى الهدى ﴿ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ﴾ [إبراهيم : ٢٣] بتيسيره وتسهيله مستعار من الإذن الذي هو تسهيل الحجاب وذلك ما يمنحهم من التوفيق ﴿ إِلَى صِرَاطِ ﴾ [الصافات : ٢٣] بدل من النور بتكرير العامل ﴿ الْعَزِيزُ ﴾ الغالب بالانتقام ﴿ الْحَمِيدِ ﴾ المحمود على الإنعام ﴿ اللَّهِ ﴾ بالرفع مدني وشامي على هو الله وبالجر غيرهما على أنه عطف بيان للعزيز الحميد ﴿ الَّذِى لَهُ مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَا فِى الارْضِ ﴾ [إبراهيم : ٢] خلقاً وملكاً ولما ذكر الخارجين من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان توعد الكافرين بالويل وهو نقيض الوأل وهو النجاة وهو اسم معنى كالهلاك فقال :﴿ وَوَيْلٌ لِّلْكَـافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ [إبراهيم : ٢] وهو مبتدأ وخبر، وصفة ﴿ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ﴾ [إبراهيم : ٣] يختارون ويؤثرون
٣٦٥
﴿ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا عَلَى الاخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن ﴾ [إبراهيم : ٣] عن دينه ﴿ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾ [إبراهيم : ٣] يطلبون لسبيل الله زيغا واعوجاجاً والأصل ويبغون لها فحذف الجار وأوصل الفعل.
الذين مبتدأ خبره ﴿ أؤلئك فِى ضَلَـال بَعِيدٍ ﴾ [إبراهيم : ٣] عن الحق ووصف الضلال بالبعد من الإسناد والمجازي والبعد في الحقيقة للضال لأنه هو الذي يتباعد عن طريق الحق فوصف به فعله كما تقول جد جده، أو مجرور صفة للكافرين أو منصوب على الذم أو مرفوع على أعني الذين أوهم الذين
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦٥
﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾ [إبراهيم : ٤] إلا متكلماً بلغتهم ﴿ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ ﴾ [النحل : ٣٩] ما هو مبعوث به وله فلا يكون لهم حجة على الله ولا يقولون له : لم نفهم ما خوطبنا به فإن قلت إن رسولنا صلى الله عليه وسلّم بعث إلى الناس جميعاً بقوله ﴿ قُلْ يَـا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [آل عمران : ٦٤-١٥٨] بل إلى الثقلين وهم على ألسنة مختلفة فإن لم تكن للعرب حجة فلغيرهم الحجة قلت لا يخلو ما إن ينزل بجميع الألسنة أو بواحد منها فلا
حاجة إلى نزوله بجميع الألسنة لأن الترجمة تنوب عن ذلك وتكفي التطويل فتعين أن ينزل بلسان واحد وكان لسان قومه أولى بالتعيين لأنهم أقرب إليه ولأنه أبعد من التحريف والتبديل ﴿ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَآءُ ﴾ [إبراهيم : ٤] من آثر سبب الضلالة ﴿ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ ﴾ [فاطر : ٨] من آثر سبب الاهتداء ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ [إبراهيم : ٤] فلا يغالب على مشيئته ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ فلا يخذل إلا أهل الخذلان ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِـاَايَـاتِنَآ ﴾ [هود : ٩٦] التسع ﴿ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ ﴾ [إبراهيم : ٥] بأن أخرج أو أي أخرج لأن الإرسال فيه معنى القول كأنه قيل أرسلناه وقلنا له أخرج قومك ﴿ مِنَ الظُّلُمَـاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّـاـامِ اللَّهِ ﴾ [إبراهيم : ٥] وأنذرهم بوقائعه التي وقعت على الأمم قبلهم قوم نوح وعاد وثمود ومنه أيام العرب لحروبها
٣٦٦
وملاحمها أو بأيام الإنعام حيث ظلل عليهم الغمام وأنزل عليهم المن والسلوى وفلق لهم البحر ﴿ إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ ﴾ [إبراهيم : ٥] على البلايا ﴿ شَكُورٍ ﴾ على العطايا كأنه قال لكل مؤمن إذ الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٦٦


الصفحة التالية
Icon