﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ ﴾ [إبراهيم : ١٣] سبْلنا لرسْلهم أبو عمرو ﴿ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ ﴾ [إبراهيم : ١٣] من ديارنا ﴿ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا ﴾ [إبراهيم : ١٣] أي ليكونن أحد الأمرين إخراجكم أو عودكم وحلفوا على ذلك والعود بمعنى الصيرورة وهو كثير في كلام العرب أو خاطبوا به كل رسول ومن آمن معه فغلبوا في الخطاب الجماعة على الواحد ﴿ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّـالِمِينَ ﴾ [إبراهيم : ١٣] القول مضمر أو أجرى الإيحاء مجرى القول لأنه ضرب منه ﴿ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الارْضَ مِن بَعْدِهِمْ ﴾ [إبراهيم : ١٤] أي أرض الظالمين وديارهم.
في الحديث :" من آذى جاره ورثه الله داره " ﴿ ذَالِكَ ﴾ الإهلاك والإسكان أي ذلك الأمر حق ﴿ لِمَنْ خَافَ مَقَامِى ﴾ [إبراهيم : ١٤] موقفي وهو موقف الحساب أو المقام مقحم أو خاف قيامي عليه بالعلم كقوله :﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَآ ـاِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ ﴾ [الرعد : ٣٣] والمعنى أن ذلك حق للمتقين ﴿ وَخَافَ وَعِيدِ ﴾ [إبراهيم : ١٤] عذابي وبالياء يعقوب ﴿ وَاسْتَفْتَحُوا ﴾ واستنصروا الله على أعدائهم وهو معطوف على أوحى إليهم ﴿ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ ﴾ [إبراهيم : ١٥] وخسر كل متكبر بطر ﴿ عَنِيدٍ ﴾ مجانب للحق.
معناه فنصروا وظفروا وأفلحوا وخاب كل جبار عنيد وهم قومهم وقيل الضمير للكفار ومعناه واستفتح الكفار على الرسل ظناً منهم بأنهم على الحق والرسل على الباطل وخاب كل جبار عنيد منهم ولم يفلح باستفتاحه ﴿ مِّن وَرَآ ـاِهِ ﴾ [إبراهيم : ١٦] من بين يديه ﴿ جَهَنَّمَ ﴾ وهذا وصف حاله وهو في الدنيا لأنه مرصد لجهنم فكأنها بين يديه وهو على شفيرها أو وصف حاله في الآخرة حيث يبعث ويوقف ﴿ وَيُسْقَى ﴾ معطوف على محذوف تقديره من ورائه جهنم يلقى فيها ما يلقى ويسقى ﴿ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ ﴾ [إبراهيم : ١٦] ما يسيل من جلود أهل النار، وصديد عطف بيان
٣٧٠
لماء لأنه مبهم فبين بقوله صديد
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٧٠
﴿ يَتَجَرَّعُهُ ﴾ يشربه جرعة جرعة ﴿ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ ﴾ [إبراهيم : ١٧] ولا يقارب أن يسيغه فكيف تكون الإساغة كقوله : لم يكد يراها أي لم يقرب من رؤيتها فكيف يراها ﴿ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ ﴾ [إبراهيم : ١٧] أي أسباب الموت من كل جهة أو من كل مكان من جسده وهذا تفظيع لما يصيبه من الآلام أي لو كان ثمة موت لكان كل واحد منها مهلكاً ﴿ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ﴾ [إبراهيم : ١٧] لأنه لو مات لاستراح ﴿ وَمِن وَرَآ ـاِهِ ﴾ [إبراهيم : ١٧] ومن بين يديه ﴿ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ [هود : ٥٨] أي في كل وقت يستقبله يتلقى عذاباً أشد مما قبله وأغلظ وعن الفضيل هو قطع الأنفاس وحبسها في الأجساد ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ ﴾ [العنكبوت : ٤١] مبتدأ محذوف الخبر أي فيما يتلى عليكم مثل الذين ﴿ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ﴾ [إبراهيم : ١٨] والمثل مستعار للصفة التي فيها غرابة وقوله ﴿ أَعْمَـالُهُمْ كَرَمَادٍ ﴾ [إبراهيم : ١٨] جملة مستأنفة على تقدير سؤال سائل يقول : كيف مثلهم فقيل أعمالهم كرماد ﴿ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ ﴾ [إبراهيم : ١٨] الرياح مدني ﴿ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ﴾ [إبراهيم : ١٨] جعل العصف لليوم وهو لما فيه وهو الريح كقولك : يوم ماطر، وأعمال الكفرة المكارم التي كانت لهم من صلة الأرحام وعتق الرقاب وفداء الأسرى وعقر الإبل للأضياف وغير ذلك شبهها في حبوطها لبنائها على غير أساس وهو الإيمان بالله تعالى برماد طيرته الريح العاصف ﴿ لا يَقْدِرُونَ ﴾ [البقرة : ٢٦٤] يوم القيامة ﴿ مِمَّا كَسَبُوا ﴾ [إبراهيم : ١٨] من أعمالهم ﴿ عَلَى شَىْءٍ ﴾ [المجادلة : ١٨] أي لا يرون له أثراً من ثواب كما لا يقدر من الرماد المطير في الريح على شيء ﴿ ذالِكَ هُوَ الضَّلَـالُ الْبَعِيدُ ﴾ [إبراهيم : ١٨] إشارة إلى بعد ضلالهم عن طريق الحق أو عن الثواب ﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾ [الحج : ٦٣] ألم تعلم الخطاب لكل أحد ﴿ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ ﴾ [إبراهيم : ١٩] خالق مضافاً حمزة وعلي ﴿ بِالْحَقِّ ﴾ بالحكمة والأمر العظيم ولم يخلقها عبثاً ﴿ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ [إبراهيم : ١٩] أي هو قادر على أن يعدم الناس ويخلق
٣٧١
مكانهم خلقاً آخر على شكلهم أو على خلاف شكلهم إعلاماً بأنه قادر على إعدام الموجود وإيجاد المعدوم