جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٧١
﴿ وَمَا ذَالِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ ﴾ [إبراهيم : ٢٠] بمتعذر ﴿ وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ [إبراهيم : ٢١] ويبرزون يوم القيامة وإنما جيء به بلفظ الماضي لأن ما أخبر به عز وجل لصدقه كأنه قد كان ووجد.
ونحوه ﴿ وَنَادَى أَصْحَـابُ الْجَنَّةِ ﴾ [الأعراف : ٤٤]، ﴿ وَنَادَى أَصْحَـابُ النَّارِ ﴾ [الأعراف : ٥٠]، وغير ذلك، ومعنى بروزهم لله والله تعالى لا يتوارى عنه شيء حتى يبرز لهم أنهم كانوا يستترون من العيون عند ارتكاب الفواحش ويظنون أن ذلك خاف على الله فإذا كان يوم القيامة انكشفوا لله عند أنفسهم وعلموا أن الله لا تخفى عليه خافية أو خرجوا من قبورهم فبرزوا لحساب الله وحكمه ﴿ فَقَالَ الضُّعَفَـاؤُا ﴾ [إبراهيم : ٢١] في الرأي وهم السفلة والأتباع وكتب بواو قبل الهمزة على لفظ من يفخم الألف قبل الهمزة فيميلها إلى الواو ﴿ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ﴾ [إبراهيم : ٢١] وهم السادة والرؤساء الذين استغووهم وصدوهم عن الاستماع إلى الأنبياء وأتباعهم ﴿ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا ﴾ [إبراهيم : ٢١] تابعين.
جمع تابع على تبع كخادم وخدم وغائب وغيب أو ذوي تبع والتبع الأتباع يقال : تبعه تبعاً ﴿ فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَىْءٍ ﴾ [إبراهيم : ٢١] فهل تقدرون على دفع شيء مما نحن فيه ومن الأولى للتبيين والثانية للتبعيض كأنه قيل فهل أنتم مغنون عنا بعض الشيء الذي هو عذاب الله أو هما للتبعيض أي فهل أنتم مغنون عنا بعض شيء هو بعض عذاب الله ولما كان قول الضعفاء توبيخاً لهم وعتاباً على استغوائهم لأنهم علموا أنهم لا يقدرون على الإغناء عنهم ﴿ قَالُوا ﴾ لهم مجيبين معتذرين ﴿ لَوْ هَدَاـانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَـاكُمْ ﴾ [إبراهيم : ٢١] أي لو هدانا الله إلى الإيمان في الدنيا لهديناكم إليه أو لو هدانا الله طريق النجاة من العذاب لهديناكم أي لأغنينا عنكم وسلكنا بكم طريق النجاة كما سلكنا بكم طريق الهلكة ﴿ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا ﴾ [إبراهيم : ٢١] مستويان
٣٧٢
علينا الجزع والصبر والهمزة وأم للتسوية روى أنهم يقولون في النار تعالوا نجزع فيجزعون خمسمائة عام فلا ينفعهم الجزع فيقولون تعالوا نصبر فيصبرون خمسمائة عام فلا ينفعهم الصبر ثم يقولون سواء علينا أجزعنا أم صبرنا واتصاله بما قبله من حيث إن عتابهم لهم كان جزعاً مما هم فيه فقالوا لهم : سواء علينا أجزعنا أم صبرنا يريدون أنفسهم وإياهم لاجتماعهم في عقاب الضلالة التي كانوا مجتمعين فيها يقولون : ما هذا الجزع والتوبيخ ولا فائدة في الجزع كما لا فائدة في الصبر ﴿ مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ ﴾ [إبراهيم : ٢١] منجى ومهرب جزعنا أم صبرنا ويجوز أن يكون هذا من كلام الضعفاء والمستكبرين جميعاً
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٧٢
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَـانُ لَمَّا قُضِىَ الامْرُ ﴾ [إبراهيم : ٢٢] حكم بالجنة والنار لأهليهما وفرغ من الحساب ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، وروى أن الشيطان يقوم عند ذلك خطيباً على منبر من نار فيقول لأهل النار ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ ﴾ [إبراهيم : ٢٢] وهو البعث والجزاء على الأعمال فوفى لكم بما وعدكم ﴿ وَوَعَدتُّكُمْ ﴾ بأن لا بعث ولا حساب ولا جزاء ﴿ فَأَخْلَفْتُكُمْ ﴾ كذبتكم ﴿ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَـانٍ ﴾ [إبراهيم : ٢٢] من تسلط واقتدار ﴿ إِلا أَن دَعَوْتُكُمْ ﴾ [إبراهيم : ٢٢] لكني دعوتكم إلى الضلالة بوسوستي وتزييني والاستثناء منقطع لأن الدعاء ليس من جنس السلطان ﴿ فَاسْتَجَبْتُمْ لِى ﴾ [إبراهيم : ٢٢] فأسرعتم إجابتي ﴿ فَلا تَلُومُونِى ﴾ [إبراهيم : ٢٢] لأن من تجرد للعداوة لا يلام إذا دعا إلى أمر قبيح مع أن الرحمن قد قال لكم :﴿ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَـانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ ﴾ [الأعراف : ٢٧] ﴿ وَلُومُوا أَنفُسَكُمْ ﴾ [إبراهيم : ٢٢] حيث اتبعتموني بلا حجة ولا برهان وقول المعتزلة هذا دليل على أن الإنسان هو الذي يختار الشقاوة أو السعادة ويحصلها لنفسه وليس من الله إلا التمكين ولا من الشيطان إلا التزيين باطل لقوله : لو هدانا الله أي إلى الإيمان لهديناكم كما مر ﴿ مَّآ أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُم بِمُصْرِخِىَّ ﴾ [إبراهيم : ٢٢] لا
٣٧٣