ليقيموا الصلاة عند بيتك المحرم ويعمروه بذكرك وعبادتك ﴿ فَاجْعَلْ أَفْـاِدَةً مَّنَ النَّاسِ ﴾ [إبراهيم : ٣٧] أفئدة من أفئدة الناس ومن للتبعيض لما روى عن مجاهد لو قال أفئدة الناس لزاحمتكم عليه فارس والروم والترك والهند أو للابتداء كقولك : القلب مني سقيم تريد قلبي فكأنه قيل أفئدة ناس ونكر المضاف إليه في هذا التمثيل لتنكير أفئدة لأنها في الآية نكرة ليتناول بعض الأفئدة ﴿ تَهْوِى إِلَيْهِمْ ﴾ [إبراهيم : ٣٧] تسرع إليهم من البلاد الشاسعة وتطير نحوهم شوقاً ﴿ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ ﴾ [إبراهيم : ٣٧] مع سكناهم وادياً ما فيه شيء منها بأن تجلب إليهم من البلاد الشاسعة ﴿ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم : ٣٧] النعمة في أن يرزقوا أنواع الثمرات في واد ليس فيه شجر ولا ماء
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٧٨
﴿ رَبَّنَآ ﴾ النداء المكرر دليل التضرع واللجإ إلى الله ﴿ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِى وَمَا نُعْلِنُ ﴾ [إبراهيم : ٣٨] تعلم السر كما تعلم العلن ﴿ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِن شَىْءٍ فِى الارْضِ وَلا فِى السَّمَآءِ ﴾ [إبراهيم : ٣٨] من كلام الله عز وجل تصديقاً لإبراهيم عليه السلام أو من كلام إبراهيم ومن للاستغراق كأنه قيل وما يخفى على الله شيء ما ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى وَهَبَ لِى عَلَى الْكِبَرِ ﴾ [إبراهيم : ٣٩] على بمعنى مع وهو في موضع الحال أي وهب لي وأنا كبير ﴿ إِسْمَـاعِيلَ وَإِسْحَـاقَ ﴾ [إبراهيم : ٣٩] روي أن إسماعيل ولد له وهو ابن تسع وتسعين سنة وولد له إسحق وهو ابن مائة وثنتي عشرة سنة وروى أنه ولد له إسمعيل لأربع وستين وإسحاق لتسعين وإنما ذكر حال الكبر لأن المنة بهبة الولد فيها أعظم لأنها حال وقوع اليأس من الولادة والظفر بالحاجة على عقب اليأس من أجل النعم ولأن الولادة في تلك السن العالية كانت آية لإبراهيم ﴿ إِنَّ رَبِّى لَسَمِيعُ الدُّعَآءِ ﴾ [إبراهيم : ٣٩] مجيب الدعاء من قولك سمع الملك كلام فلان إذا تلقاه بالإجابة والقبول ومنه سمع الله لمن حمده وكان قد دعا ربه وسأله الولد فقال :﴿ رَبِّ هَبْ لِى مِنَ الصَّـالِحِينَ ﴾ [الصافات : ١٠٠] فشكر الله له ما أكرمه به من إجابته وإضافة السميع إلى الدعاء من إضافة الصفة إلى مفعولها وأصله لسميع الدعاء وقد ذكر سيبويه فعيلا في جملة أبنية المبالغة العاملة عمل الفعل كقولك هذا رحيم أباه
٣٧٩
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٧٩


الصفحة التالية
Icon