﴿ رَبِّ اجْعَلْنِى مُقِيمَ الصَّلَواةِ وَمِن ذُرِّيَّتِى ﴾ [إبراهيم : ٤٠] وبعض ذريتي عطفاً على المنصوب في اجعلني وإنما بعض لأنه علم بأعلام الله أنه يكون في ذريته كفار، عن ابن عباس رضي الله عنهما لا يزال من ولد إبراهيم ناس على الفطرة إلى أن تقوم الساعة ﴿ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ ﴾ [إبراهيم : ٤٠] بالياء في الوصل والوقف مكي، وافقه أبو عمرو وحمزة في الوصل الباقون بلا ياء أي استجب دعائي أو عبادتي وأعتزلكم وما تدعون من دون الله ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لِى وَلِوَالِدَىَّ ﴾ [إبراهيم : ٤١] أي آدم وحواء أو قاله قبل النهي واليأس عن إيمان أبويه ﴿ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ﴾ [إبراهيم : ٤١] أي يثبت أو أسند إلى الحساب قيام أهله إسناداً مجازياً مثل واسأل القرية ﴿ وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَـافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّـالِمُونَ ﴾ [إبراهيم : ٤٢] تسلية للمظلوم وتهديد للظالم والخطاب لغير الرسول عليه السلام وإن كان للرسول فالمراد تثبيته عليه السلام على ما كان عليه من أنه لا يحسب الله غافلاً كقوله :﴿ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام : ١٤]، ﴿ وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَـاهًا ءَاخَرَ ﴾ [القصص : ٨٨] وكما جاء في الأمر ﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ءَامِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ وقيل المراد به الإيذان بأنه عالم بما يفعل الظالمون لا يخفى عليه منه شيء وأنه معاقبهم على قليله وكثيره على سبيل الوعيد والتهديد كقوله :﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة : ٢٨٣] ﴿ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ ﴾ [إبراهيم : ٤٢] أي عقوبتهم ﴿ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الابْصَـارُ ﴾ [إبراهيم : ٤٢] أي أبصارهم لا تقر في أماكنها من هول ما ترى ﴿ مُهْطِعِينَ ﴾ مسرعين إلى الداعي ﴿ مُقْنِعِى رُءُوسِهِمْ ﴾ رافعيها ﴿ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ﴾ [إبراهيم : ٤٣] لا يرجع إليهم نظرهم فينظروا إلى أنفسهم ﴿ وَأَفْـاِدَتُهُمْ هَوَآءٌ ﴾ [إبراهيم : ٤٣] صفر من الخير لا تعي شيئاً من الخوف والهواء الذي لم تشغله الأجرام فوصف به
٣٨٠
فقيل : قلب فلان هوا إذا كان جباناً لا قوة في قلبه ولا جراءة وقيل : جُوف لا عقول لهم
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٨٠
﴿ وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ ﴾ [إبراهيم : ٤٤] أي يوم القيامة ويوم مفعول ثان لأنذر لا ظرف إذ الإنذار لا يكون في ذلك اليوم ﴿ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ [إبراهيم : ٤٤] أي الكفار ﴿ رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ﴾ [إبراهيم : ٤٤] أي ردنا إلى الدنيا وأمهلنا إلى أمد وحدّ من الزمان قريب نتدارك ما فرطنا فيه من إجابة دعوتك واتباع رسلك فيقال لهم :﴿ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ ﴾ [إبراهيم : ٤٤] أي حلفتم في الدنيا أنكم إذا متم لا تزالون عن تلك الحالة ولا تنتقلون إلى دار أخرى يعني كفرتم بالبعث كقوله :﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ ﴾ [النحل : ٣٨] وما لكم جواب القسم وإنما جاء بلفظ الخطاب لقوله : أقسمتم ولو حكى لفظ المقسمين لقيل ما لنا من زوال أو أريد باليوم يوم هلاكهم بالعذاب العاجل أو يوم موتهم معذبين بشدة السكرات ولقاء الملائكة بلا بشرى فإنهم يسألون يومئذ أن يؤخرهم ربهم إلى أجل قريب.
يقال : سكن الدار وسكن فيها ومنه ﴿ وَسَكَنتُمْ فِى مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ﴾ [إبراهيم : ٤٥] بالكفر لأن السكنى من السكون وهو اللبث والأصل تعديته بفي نحو قر في الدار وأقام فيها ولكنه لما نقل إلى سكون خاص تصرف فيه فقيل : سكن الدار كما قيل تبوأها ويجوز أن يكون سكنوا من السكون أي قروا فيها واطمأنوا طيبي النفوس سائرين سيرة من قبلهم في الظلم والفساد لا يحدثونها بما لقي الأولون من أيام الله وكيف كان عاقبة ظلمهم فيعتبروا ويرتدعوا ﴿ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ ﴾ [إبراهيم : ٤٥] بالأخبار أو المشاهدة وفاعل تبين مضمر دل عليه الكلام أي تبين لكم حالهم و
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٨١
﴿ كَيْفَ ﴾ ليس بفاعل لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما
٣٨١


الصفحة التالية
Icon