قبله وإنما نصب كيف بقوله ﴿ فَعَلْنَا بِهِمْ ﴾ [إبراهيم : ٤٥] أي أهلكناهم وانتقمنا منهم ﴿ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الامْثَالَ ﴾ [إبراهيم : ٤٥] أي صفات ما فعلوا وما فعل بهم وهي في الغرابة كالأمثال المضروبة لكل ظالم ﴿ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ ﴾ [إبراهيم : ٤٦] أي مكرهم العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم وهو ما فعلوه من تأييد الكفر وبطلان الإسلام ﴿ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ ﴾ [إبراهيم : ٤٦] وهو مضاف إلى الفاعل كالأول والمعنى ومكتوب عند الله مكرهم فهو مجازيهم عليه بمكر هو أعظم منه أو إلى المفعول أي عند الله مكرهم الذي يمكرهم به وهو عذابهم الذي يأتيهم من حيث لا يشعرون ﴿ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾ [إبراهيم : ٤٦] بكسر اللام الأولى ونصب الثانية والتقدير وإن وقع مكرهم لزوال أمر النبي صلى الله عليه وسلّم فعبر عن النبي عليه السلام بالجبال لعظم شأنه وكان تامة وإن نافية واللام مؤكدة لها كقوله ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ﴾ [الانفال : ٣٣] والمعنى ومحال أن تزول الجبال بمكرهم على أن الجبال مثل لآيات الله وشرائعه لأنها بمنزلة الجبال الراسية ثباتاً وتمكناً دليله قراءة ابن مسعود وما كان مكرهم وبفتح اللام الأولى ورفع الثانية عليُّ، أي وإن كان مكرهم من الشدة بحيث تزول منه الجبال وتنقطع عن أماكنها فإن مخففة من إن واللام مؤكدة ﴿ فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُا ﴾ [إبراهيم : ٤٧] يعني قوله :﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا ﴾ [غافر : ٥١] ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لاغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِى ﴾ [المجادلة : ٢١].
مخلف مفعول ثاني لتحسبن وأضاف مخلف إلى وعده وهو المفعول الثاني له والأول رسله والتقدير مخلف رسله وعده وإنما قدم المفعول الثاني على الأول ليعلم أنه لا يخلف الوعد أصلاً كقوله : إن الله لا يخلف الميعاد ثم قال رسله ليؤذن أنه إذا لم يخلف وعده أحداً فكيف يخلفه رسله الذين هم خيرته وصفوته ﴿ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ﴾ [البقرة : ٢٠٩] غالب لا يماكر
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٨١
﴿ ذُو انتِقَامٍ ﴾ [آل عمران : ٤] لأوليائه من أعدائه وانتصاب ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الارْضُ غَيْرَ الارْضِ وَالسَّمَـاوَاتُ ﴾ [إبراهيم : ٤٨] على الظرف للانتقام أو على إضمار اذكر والمعنى يوم تبدل هذه الأرض التي تعرفونها أرضاً أخرى غير
٣٨٢
هذه المعروفة وتبدل السماوات غير السماوات وإنما حذف لدلالة ما قبله عليه والتبديل التغيير وقد يكون في الذوات كقولك بدلت الدراهم دنانير وفي الأوصاف كقولك بدلت الحلقة خاتماً إذا أذبتها وسويتها خاتماً فنقلتها من شكل إلى شكل واختلف في تبديل الأرض والسماوات فقيل تبدل أوصافها وتسير عن الأرض جبالها وتفجر بحارها وتسوى فلا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً وعن ابن عباس رضي الله عنهما : هي تلك الأرض وإنما تغير.
وتبدل السماء بانتثار كواكبها وكسوف شمسها وخسوف قمرها وانشقاقها وكونها أبواباً وقيل تخلق بدلها أرض وسماوات أخر.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه : يحشر الناس على أرض بيضاء لم يخطىء عليها أحد خطيئة وعن علي رضي الله عنه : تبدل أرضاً من فضة وسماوات من ذهب ﴿ وَبَرَزُوا ﴾ وخرجوا من قبورهم ﴿ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [إبراهيم : ٤٨] هو كقوله :﴿ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [غافر : ١٦] لأن الملك إذا كان لواحد غلاب لا يغالب فلا مستغاث لأحد إلى غيره كان الأمر في غاية الشدة
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٨١