وفي الأول كان تراباً فعجن بالماء فصار طيناً فمكث فصار حمأ فخلص فصار سلالة فصوِّر ويبس فصار صلصالاً فلا تناقض ﴿ وَالْجَآنَّ ﴾ أبا الجن كآدم للناس أو هو إبليس وهو منصوب يفعل مضمر يفسره ﴿ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ ﴾ [الحجر : ٢٧] من قبل آدم ﴿ مِن نَّارِ السَّمُومِ ﴾ [الحجر : ٢٧] من نار الحر الشديد النافذ في المسام قيل هذه السموم جزء من سبعين جزأ من سموم النار التي خلق الله منها الجان ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ ﴾ [الحجر : ٢٨] واذكر وقت قوله ﴿ لِلْمَلَائكَةِ إِنِّى خَالِقُ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ ﴾ أتممت خلقته وهيأتها النفخ الروح فيها ﴿ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى ﴾ [الحجر : ٢٩] وجعلت فيه الروح وأحييته وليس ثمة نفخ وإنما هو تمثيل والإضافة للتخصيص ﴿ فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [الحجر : ٢٩] هو أمر من وقع يقع أي اسقطوا على الأرض يعني
٣٩٠
اسجدوا له ودخل الفاء لأنه جواب إذا وهو دليل على أنه يجوز تقدم الأمر عن وقت الفعل
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٩٠
﴿ فَسَجَدَ الْمَلَائكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴾ [الحجر : ٣٠] فالملائكة جمع عام محتمل للتخصيص فقطع باب التخصيص بقوله كلهم وذكر الكل احتمل تأويل التفرق فقطعه بقوله أجمعون ﴿ إِلا إِبْلِيسَ ﴾ [طه : ١١٦] ظاهر الإستثناء يدل على أنه كان من الملائكة لأن المستثنى يكون من جنس المستثنى منه وعن الحسن أن الاستثناء منقطع ولم يكن هو من الملائكة قلنا غير المأمور لا يصير بالترك ملعوناً و في الكشاف كان بينهم مأمورا معهم بالسجود فغلب اسم الملائكة ثم استثنى بعد التغليب كقولك رأيتهم إلا هنداً ﴿ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ﴾ [الحجر : ٣١] امتنع أن يكون معهم وأبى استئناف على تقدير قول قائل يقول هلا سجد فقيل أبى ذلك واستكبر عنه وقيل معناه ولكن إبليس أبى ﴿ قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ﴾ حرف الجر مع أن محذوف تقديره مالك في أن لا تكون مع الساجدين أي أي غرض لك في إبائك السجود ﴿ قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ ﴾ [الحجر : ٣٣] اللام لتأكيد النفي أي لا يصح مني أن أسجد ﴿ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا ﴾ من السماء أو من الجنة أو من جملة الملائكة ﴿ فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ﴾ [الحجر : ٣٤] مطرود من رحمة الله ومعناه ملعون لأن اللعنة هي الطرد من الرحمة والإبعاد منها ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الحجر : ٣٥] ضرب يوم الدين حداً للعنة لأنه أبعد غاية يضربها الناس في كلامهم والمراد به إنك مذموم مدعو عليك باللعنة في السماوات والأرض إلى يوم الدين من غير أن تعذب فإذا جاء ذلك اليوم عذبت بما ينسى اللعن معه
٣٩١
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٩١


الصفحة التالية
Icon