﴿ نَبِّئْ عِبَادِى أَنِّى أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِى هُوَ الْعَذَابُ الالِيمُ ﴾ تقريراً لما ذكر وتمكيناً له في النفوس قال عليه السلام :" لو يعلم العبد قدر عفو الله لما تورع عن حرام ولو يعلم قدر عذابه لبخع نفسه في العبادة ولم أقدم على ذنب " وعطف ﴿ وَنَبِّئْهُمْ ﴾ وأخبر أمتك.
عطفه على نبىء عبادي ليتخذوا ما أحل من العذاب بقوم لوط عبرة يعتبرون بها سخط الله وانتقامه من المجرمين ويتحققوا عنده أن عذابه هو العذاب الأليم ﴿ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الحجر : ٥١] أي أضيافه وهو جبريل عليه السلام مع أحد عشر ملكاً والضيف يجىء واحداً وجمعاً لأنه مصدر ضافه ﴿ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلـامًا ﴾ [الحجر : ٥٢] أي نسلم عليك سلاماً أو سلمنا سلاماً ﴿ قَالَ ﴾ أي إبراهيم ﴿ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ ﴾ [الحجر : ٥٢] خائفون لامتناعهم من الأكل أو لدخولهم بغير إذن وبغير وقت ﴿ قَالُوا لا تَوْجَلْ ﴾ [الحجر : ٥٣] لا تخف ﴿ إِنَّا نُبَشِّرُكَ ﴾ [مريم : ٧] استئناف في معنى التعليل للنهي عن الوجل أي إنك مبشر آمن فلا توجل.
وبالتخفيف وفتح النون حمزة ﴿ بِغُلَـامٍ عَلِيمٍ ﴾ [الحجر : ٥٣] هو إسحاق لقوله في سورة هود فبشرناها بإسحاق ﴿ قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِى عَلَى أَن مَّسَّنِىَ الْكِبَرُ ﴾ [الحجر : ٥٤] أي أبشرتموني مس الكبر بأن يولد لي أي إن الولادة أمر مستنكر عادة مع الكبر ﴿ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ ﴾ [الحجر : ٥٤] هي ما الاستفهامية دخلها معنى التعجب كأنه قيل فبأي أعجوبة تبشرون، وبكسر النون والتشديد مكي والأصل تبشرونني فأدغم نون الجمع من نون العماد ثم حذفت الياء وبقيت الكسرة دليلاً عليها.
تبشرون بالتخفيف نافع والأصل تبشرونني فحذفت الياء اجتزاء بالكسرة وحذف نون الجمع لاجتماع النونين، والباقون بفتح النون وحذف المفعول والنون نون الجمع
٣٩٤
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٩٤
﴿ قَالُوا بَشَّرْنَـاكَ بِالْحَقِّ ﴾ [الحجر : ٥٥] باليقين الذي لا لبس فيه ﴿ فَلا تَكُن مِّنَ الْقَـانِطِينَ ﴾ [الحجر : ٥٥] من الآيسين من ذلك ﴿ قَالَ ﴾ أي إبراهيم ﴿ وَمَن يَقْنَطُ ﴾ [الحجر : ٥٦] وبكسر النون بصري وعلى ﴿ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّآلُّونَ ﴾ [الحجر : ٥٦] إلا المخطئون طريق الصواب أو إلا الكافرون كقوله :﴿ يَـابَنِىَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَا يـاَسُواْ مِن ﴾ [يوسف : ٨٧] أي لم أستنكر ذلك قنوطاً من رحمته ولكن استبعاداً له في العادة التي أجراها ﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ ﴾ [الحجر : ٥٧] فما شأنكم ﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ ﴾ أي قوم لوط ﴿ إِلا ءَالَ لُوطٍ ﴾ [الحجر : ٥٩] يريد أهله المؤمنين والاستثناء منقطع لأن القوم موصوفون بالإجرام والمستثني ليس كذلك أو متصل فيكون استثناء من الضمير في مجرمين كأنه قيل إلى قوم قد أجرموا كلهم إلا آل لوط وحدهم والمعنى يختلف باختلاف الاستثناثية لأن آل لوط مخرجون في منقطع من حكم الإرسال ويعنى أنهم ارسلوا إلى القوم المجرمين أصلاً ومعنى إرسالهم إلى القوم المجرمين خاصة ولم يرسلوا إلى آل لوط أصلا كإرسال السهم إلى المرمى في أنه في معنى التعذيب والإهلاك كأنه قيل إنا أهلكنا قوماً مجرمين ولكن آل لوط أنجيناهم وأما في المتصل فهم داخلون في حكم الإرسال يعني أن الملائكة أرسلوا إليهم جميعاً ليهلكوا هؤلاء وينجوا هؤلاء وإذا انقطع الاستثناء جرى ﴿ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الحجر : ٥٩] مجرى خبر لكن في الاتصال بآل لوط لأن المعنى لكن آل لوط منجون وإذا اتصل كان كلاماً مستأنفاً كأن إبراهيم عليه السلام قال لهم فما حال آل لوط فقالوا إنا لمنجوهم ﴿ إِلا امْرَأَتَهُ ﴾ [الحجر : ٦٠] مستثنى من الضمير المجرور في لمنجوهم وليس باستثناء من الاستثناء لأن الاستثناء من الاستثناء إنما يكون فيما اتحد الحكم فيه بأن يقول أهلكناهم إلا آل لوط إلا امرأته وهنا قد اختلف الحكمان لأن إلا آل لوط متعلق
٣٩٥


الصفحة التالية
Icon